السبت ١٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم
يا ربّ يا مغيث
"حَمَل الناس همّه لكنهم لم يجرؤوا أن يصرحوا أمامه بما فيه، فاختلس السمع واصفا ذلك الموقف المخيف"
وفجأة تغيرت من حوليَ الوجوه والحياةْرأيت والدي يدير عني وجهه الذي خبرتُ في شفاهه الربيعْوفي لسانه الغدَ الجميلَ حالماوفي صباحِه الخُشوعْوأمّيَ التي عهدتها تصارع الجنود كلما توثبواغدت بجانبي مطروحةً على الفراش تحتمي بشالها الحزين من سؤال طفلها الوديعْوإخوتي حول السرير يسرقون الوقت من أصابعي لكي يخبئوا الدموعْوالناس يدخلونْوالناس يسألونْوالناس يخرجونْوالهمس يخنق الكلام في حناجر الجميعْوكلهم يمدّ للسماء كفّه ويستعينْويترك المكان في سكينة الخضوعْ-----يا أمّ ما الذي تغيّراوما الذي في بيتنا الوديع يا حبيبتي جرىبالله يا حبيبتيوما الذي أسَرَّه الطبيبْ؟؟؟تندّ زفرة من قلبها وتحتمي بالصمت والدموعْيا والدي الحبيبْأما وعدتني بأنني سأترك الفراش في الغروبْفهل نسيت عهدنا وعزمنا على قراءة الدروس في المغيبْأبي أبي وعدتَنيفما الذي أسرّه الطبيبْ؟؟؟؟لا شيء يا بنيّ، لكن حين نستطيعْ-----وفي الصباح تولد الدموع من جديدْأبي يقبِّل الجبين بعد أن يقيس باكرا حرارتيأمي تلملم الفراش...ترصد الشحوب في بقاع جسميَ الكديدْوترسل العينين في عينّيّ تفحص التحوّل الجديدْلكنها تحاول اصطناع بسمةفتفضح الدموع سرّهاوتسكب التنهّد العميق في مفاصليوإخوتي يسافرون في قطار دمعهميتمتمونَ، يسألونَ عن تقيّؤ يهدّنيوعن هُزالِ جسميَ السريعْفإن رأوا عينيّ سارعوا بخفّةيُقَلِّبون في هدوء البيت أعينا تفيض بالتأمل المُريعْويصمتونْ يصمتونَ يصمتونْ-------------وهذه سيارة الإسعاف تقطع السكونْفيغرق الجميع في خشوعهموتشخص العيون في السماءْوتطلق الدعاءْوينزل الممرض الجميل بابتسامةتفضّلواتفضّلواتمتدّ نحو جسميَ الهزيلِ كفُّه... براحة غريبة تلفُّهوفي هنيهة وجدتني تلوكني الإسعافْولم يعد بمسمعي سوى زامورها الفظيع------يا ربّ لا اعتراضقد كنت أعشق البياضيا إلهي الكبيرَكيف ضقت بالبياضْ؟رجفتُ إذ رأيت كلّ شيء يرتدي البياضْملابسُ الممرضِ الجميلِ والطبيبِ والسريرُ والشراشفُتثور من سكونها المخاوفُتمتمتُ :كيف ترتدي الأكفانُ أجملَ الرجال والنساءْوكيف في العروق تنبض الدماءْيا ربّ كيف غشّى قلبي انقباضْ؟؟؟-----يا رب لا اعتراضلكنني سمعت همسة الطبيب في الحضورْ :الفحص موجب، فعجّلواخذوه للتصويرْلا تبطئوالا تبطئواففي دماغه تورّم خطيرْلم أدر ما يقول غير أننيلمحت دمعة تندّ من جفون والديسمعتُ همسه الحزين يستجيرْيا رب قد كتبتَ داءهفاكتب له الشفاءودلّهم يا خالقي على الدواء---الناس حولي باهتونَ خاشعونْوتحتيَ السريرُ واجم وغرفتي يجتاحها السكونْوفجأةسمعتُ صوتا خافتا، تدفَّّقَ الحديثْ(يا ربّ يا مغيثْ...فذلك الفتى الذي أمامنايهدّه " الخبيث")يا رب يا مغيثْاكتب له الشفاءاكتب له الشفاء