
قراءة في ديوان راعون بلا أحصنة لمصطفى غزلاني
يُعدّ ديوان راعون بلا أحصنة للشاعر المغربي مصطفى غزلاني، واحة تجمع بين الشعرية والنثر في نصوص متميزة تصنّف نصوصا نثرية تدعو القارئ إلى رحلة تأملية زاخرة في مفارق الوجود.
يحمل العنوان شحنة دلالية ثقيلة، مستمدًا من جذر لغوي عربي أصيل
راعون جمع راع ومن ر-ع-ي
يشير إلى الحارس أو الحافظ للأمانة، كما في قوله تعالى
"وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ أَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ"
لكن غزلاني يضيف التحويل الدرامي بـ: بلا أحصنة، وهذه ليست نفيا بل إشارة قوية إلى العجز والفقدان.
الغلاف بألوانه المتداخلة يعكس هذا الجو: أرض خالية، ظلال مشوّهة، أحصنة تائهة، سراح بصري لا ينتهي، إنه دعوة بصرية للانغماس في تخوم العبارة وتلك الكلمات.
يتنفّس الديوان الحقيقة وهو عبارة عن قصائد تقليدية ونصوصٍ نثرية كأنهار متقطّعة، تتراوح بين الصفحات القصيرة والممتدّة، تجمع بين السرد والاستدعاء الشعري ويفضل غزلاني التلقين رافضا الكشف التدريجي والانكشاف لتجنّب شبهة الوضوح المباشر، هذا النهج جعل قراءتي تفاعلية أجبرتني كقارئ على البحث تحت الطبقات وبالقرب من الشذرات.
تكرّرت الرموز وأحالت على أن الأحصنة لا تعني الغياب لأنها حاضرة وبناءا على السياق فركضت في الفراغ تحت ناظري راعيها بكل قدرة على الإبداع.
لغة غزلاني مزيج من الإيحاءات واللمسات الفلسفية المستمدّة من مدارس وجودية متجذّرة في التراث العربي حيث الجمل قصيرة وخفيفة، كأنها أنفاس متعثّرة، والاستعارات تتدحرج كأحجار في وادٍ جافّ، عموما تبقى اللغة ذات إيقاع شعري حديث، قصيرة نسبيًا مترابطة في فصول غير مرقمة وتعطي انطباعا وإحساسا بالتدفق إلى أن تكتمل الصورة الشعرية في إطار الرمزية والواقعية.
راعون بلا أحصنة ليس مجرّد ديوان، إنه صرخة نثرية ضدّ العجز، دعوة لاستعادة الخيل من الأشباح ومصطفى غزلاني، بفنّه المتعدّد، يُعيد للنثر الشعريّ نبضه المتحرك، مع لمسة حديثة تلامس جروح الزمن وإذا كنتَ أيها القارئ تبحث عن شعر يُحرّك الروح دون أن يُثقِلها، هذا عمل يستحقّ الغوص فيه واحذر أن يترككَ راعيًا بلا أحصنة.
وأخيرا ليس الديوان سهل القراءة ولكنه يتطلب تأملًا وتمعنا، لأنه يكافئ القارئ بكشوفات عميقة ومتوارية.