السبت ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم مصطفى معروفي

خلف الأحمر وحماد الراويتان

قبل قليل كنت أهم بالكتابة عن الشاعر العربي الكبير الحطيئة ،وأنا من أشد المعجبين به شعرا،حينما شدني قوله في هجاء نفسه:

لا أحــدٌ ألأم مــن حطيَّةْ
هــجا بــنيه وهجا المريّةْ
من لؤمه مات على فُرَيَّةْ

ومن كثرة إعجابي به حفظت قصيدته "الضيافة العربية "عن ظهر قلب،وكنت أرددها بيني وبين نفسي تارة وتارة مع زملائي وأصدقائي،كما حفظت أبياته في استعطاف الخليفة عمر بن الخطاب، وفي هجاء الزبرقان وغيرها,وهو شاعر شعره ممتع يدعو المرء إلى حفظه والاستمتاع به.

لكن سأكتب اليوم في موضوع آخر وهو موضوع له علاقة بالشعر ،لكنه تميزه النبرة الشعوبية فيه .ومن أمثلة ذلك أن المحققين على أن خلف الأحمر الراوية(115 ـ 180 هجرية) هو واضع "لامية لامية العرب"ولكن نسبها للشنفرى وهي تلك القصيدة التي يقول مطلعها:

أَقــيموا بَــني أُمّــي صُــدورَ مَطِيَّكُم
فَــإِنّــي إِلـــى قَــومٍ سِــواكُم لأمْــيَلُ
فَــقَد حُــمَّت الــحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ
وَشُـــدَّت لِــطِــيّاتٍ مَــطايا وَأَرُحــلُ
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
وَفــيها لِــمَن خــافَ الــقِلى مُــتَعَزَّلُ

وخلف الأحمر هذا وضع لامية أخرى على الشاعر تأبط شرا تقول:

أَقسَمتُ لا أَنسى وَإِن طالَ عَيشُنا
صَــنيعَ لُــكَيزٍ وَالأَحَلِّ بنِ قُنصُلِ
نَــزَلنا بِــهِ يَــوماً فَــساءَ صَباحُنا
فَــإِنَّكَ عَمري قَد تَرى أَيَّ مَنزِلِ
بَــكــى إِذ رَآنـــا نــازِلينَ بِــبابِهِ
وَكَــيفَ بُــكاءُ ذي القَليلِ المُسَبَّلِ

وخلف الأحمر هذا يقال أنه اعترف بنفسه للأصمعي بأنه هو من وضع على النابغة الميمية التي يقول فيها:

خيل صيام وخيــــــل غير صائمةٍ
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجُما

وهناك وضّاع آخر لا يضاهيه في الميدان وضاعٌ وهو حماد بن سابور الراوية(95 ـ 155 هجرية)فهذا الشخص كان أقدر على الوضع والانتحال لسبب شخصي أو لسبب شعوبي.

هذا الشخص قال عنه المفضل الضبي ـ وما أدراك ما المفضل الضبي في الشعر رواية ودراية ــ يقول الضبي:"لا يزال يقول الشعر ـ حماد بن سابور ـ يشبّه به مذهب رجل ويدخله في شعره،ويُحمَل ذلك عنه في الآفاق،فتختلط أشعار القدماء،ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد،وأين ذاك؟".

ويقال أن الوليد بن يزيد الخليفة سأله يوما:

" لم سميت الراوية ؟ قال : لأني أروي لكل شاعر تعرفه ، ولكل شاعر تعترف أنك يا أمير المؤمنين لا تعرفه ، وأنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة للجاهلية".

أما أبان اللاحقي (توفي 200هجري)وجده عمير كان من الموالي فيقول:

"إن سيبويه سألني عن إعمال العرب (فعِلٌ) لصفة فوضعت له هذا البيت:

حذِرٌ أموراً لا تضير وآمِنٌ
ما ليس ينجيه من الأقدار

وعبد ربه هذا يتذكر أستاذ اللغة العربية وهو بالمرحلة الثانوية يشرح لنا أحد دروس شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك فقال لنا عن أحد شواهد النحو فيه ،وأنا ـ وأعوذ بالله من قولة أنا ـ كنت مغرما بحفظ شواهد النحو:

اكثر شواهد النحو موضوعة،ولذا هي أحيانا لا تنسب لقائل معروف.

كنت سأتمم مقالي بالحديث رجل أعرابي وكيف أن جارية في قصر السفاح الخليفة العباسي كانت تقلل من شأنه كلما انتسب الأعرابي إلى قبيلة من القبائل العربية ،وكل انتقاصها للرجل كان شعرا،وهو شعر موضوع بالطبع وتفوح منه الكراهية للعرب ولا تخفى عن القارئ اللبيب الكيدة من ورائه.

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا،وارزقنا الفهم السليم، والرأي القويم.​


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى