السبت ٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

جميلة بوعزة… حين تتكلم الأرض بلسان امرأة

لم تمت جميلة بوعزة.

بل تغيّرت ملامحها، فصارت وجه الوطن حين يتعب، وصوت الأنثى حين تصمت الجموع.

جميلة التي مرّت كوميضٍ في ليل الجزائر، ما زالت تسكن في صدورنا كحقيقةٍ مؤلمة وجميلة في آنٍ واحد —
كأنها تقول لنا من وراء الغياب:

“احذروا أن يشيخ الوطن حين تنسون نساءه.”

الأنثى التي هزمت السجن

كانت جميلة بوعزة امرأةً لا تشبه سواها.

لم تحمل السلاح لأن أحدًا أمرها، بل لأن الضمير هو الذي ناداها.

كانت تعرف أن الثورة لا تكتمل إن ظلّت حكرًا على الرجال،

وأن الجمال لا معنى له إذا لم يتّسخ بالتراب،

وأن الحرية ليست شعارًا بل جرحًا مفتوحًا لا يندمل إلا بالكرامة.

في زنازين الفرنسيين، كانوا يظنون أن جسدها سينكسر،

لكنهم نسوا أن ما بداخلها ليس لحمًا، بل لهيبُ فكرةٍ خالدة.

عذّبوها، لكنهم فشلوا في انتزاع صمتها،

ذلك الصمت الذي كان أقوى من اعترافات ألف جندي.

جميلة… التي ما زالت تُربي الشجاعة في صدور البنات

كل فتاةٍ جزائرية اليوم تشبهها قليلًا —

في العناد، في الكبرياء، في الإيمان بأن الوطن لا يُورّث، بل يُحمَل على الكتف كما تُحمَل القصيدة.

لقد أنجبت جميلة بوعزة وطنًا من النساء اللواتي يكتبن، ويحتججن، ويعشقن بلا خوف.

نساء لا يطلبن الإذن ليحضرن التاريخ، بل يصنعنه بأظافرٍ مضرّجة بالكرامة.

كم نحتاج اليوم إلى “جميلة” في كل أرضٍ تُستباح،

في فلسطين، في سوريا، في اليمن، في كل مكانٍ نُعيد فيه تعريف البطولة.

ليس لأننا نعشق الدم، بل لأننا تعبنا من الخنوع.

جميلة لم تكن بطلةً من رخام،

كانت إنسانةً ترتجف وهي تحمل القنبلة،

لكنها تمضي لأنها تعرف أن الخوف لا يمنع الموت، بل يمنع الحياة.

جميلة… والأنوثة التي صارت ثورة

حين كانت تُحاكم، أرادوا أن يُهينوا أنوثتها.
لكنها كانت تعرف أن أنوثتها هي سلاحها الأخير.
ابتسمت في وجههم، كأنها تقول:

“أنتم تخافون المرأة التي لا تخاف.”
وها نحن بعد كل هذه السنين، ما زلنا نردد:
كانت جميلة بوعزة أجمل من أن تُهزم،
وأقوى من أن تُنسى.

إلى روحك يا ابنة الجزائر

نامي يا جميلة،
فالأرض التي ابتلعت صرخاتكِ تنبت اليوم نساءً يُشبهْنَكِ،
ينزفن الكلام كما نزفتِ الدم،
ويحملن حلمكِ كعهدٍ في أعناقهن.

سلامٌ عليكِ،
على وجهكِ الذي صار ذاكرة،
على اسمكِ الذي ما زال يدوّي كلما نطقت امرأةٌ بالحق،
سلامٌ عليكِ يا من جعلتِ من الثورة وردةً تنبت في يد الأنثى.

ستبقى جميلة بوعزة حديث الناس كلما ذُكر الوطن،
وكلما سُئل الجمال عن معنى الحرية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى