اهتزازُ ريحٍ… ارتجافُ قلبٍ
كان المساءُ
يُقَلِّبُ اسمي بين أنفاسِه على مهل،
يجرّبُ نَفَسًا جديدًا لغيابٍ آخر.
أراقبُه يزيحُ عن الطريق
أسرارًا خفيّة،
ويفكّ أزرارَ الظلال
ليدخلَ إليّ…
مثلَ سؤالٍ بلا جهة.
اهتزّت ريحٌ؛
لم تكن تبحثُ عن شجرٍ يتمايلُ لها،
بل عن قلبٍ أرهقته السكينةُ،
فصار يطلبُ ارتجافًا صغيرًا
ليتذكّرَ أنّ الحياة
لا تزالُ تخطو على قدمين
من ضوءٍ وندم.
كنتُ وحدي،
لكنّ الريحَ كانت تكتبُ معي
صفحةً أخرى من الليل الكثيف،
تمدّ فيه يدًا باردة،
وتسحبُ من الروح
ما نسيتْ أن تُشعِلَه.
تتقلّبُ الذاكرةُ في رأسي
مثلَ حصاةٍ تضيعُ بين أمواجٍ عائمة.
أسمعُ صوتًا خفيفًا
يخرجُ من الداخل،
صوتًا يشبه هشيمًا يمشي،
أو قلبًا يتوعّدُه النبضُ
أن يوقفَه عند نقطةٍ أقرب
بعد عمرٍ من الصمت.
يا ريحًا
تُربِكُ الجهاتِ في صدري…
كم مرّةً ستعبرين؟
كم مرّةً ستخلعين بابًا لا يُغلَق،
وتزرعين في آخر الليل
رجفةً تُشبه يدًا
تبحثُ عن يدٍ؟
ليس في قلبي أكثرُ من مقعدٍ صغيرٍ
يجلسُ عليه اليقينُ حين يتعب،
ومدىً واسعٍ
يمشي فيه الشكُّ حافيًا
كطفلٍ يكتشفُ أوّلَ مفرداتِه
تخرجُ من فمٍ بريء.
كلّما اقتربَ الليلُ من عينيّ،
يبدأ داخلي بالتشظّي:
صورةٌ لجسدي وهو يمشي وحده،
وأخرى لقلبي وهو يركضُ خائفًا،
وثالثةٌ لريحٍ
تبحثُ عن نافذةٍ لا تُقفَل
لتُكمِلَ حكايتَها.
أيتها الريح،
يا سيّدةَ المدنِ التي لا تنام…
ماذا تريدين من قلبي؟
لقد صار هشًّا بما يكفي
كي يتهدّم من نظرة،
وخفيفًا بما يكفي
كي ترفعيه بأصابعِكِ
وتنثريه في الجهاتِ الأربع.
ها أنا أتركُ لكِ الطريق،
أفتحُ لكِ الصدرَ
كما تُفتح نافذةٌ لليلٍ عطِش،
وأنتظرُ
أن تجيئي مرّةً أخيرة…
مرّةً تكفي
ليتعلّم قلبي
كيف يرتجفُ دون أن ينكسر،
وكيف يهدأ
دون أن يعود
إلى موتِه القديم.
اهتزّي…
فلعلّ رجفتَكِ
تعيدُ تنسيقَ الضوءِ داخلي،
ولعلّ ارتجافَ قلبي
يصبحُ أوّلَ خطوةٍ حقيقية
نحو حياةٍ
تبدأُ بريحٍ
ولا تنتهي.
