السبت ١٦ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

والي المدينة

والي المدينة

قصص قصيرة جدًا

الكاتب: سهيل إبراهيم عيساوي

تصميم الغلاف: رانية عبدالله

إصدار: دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر

سنة الإصدار 2025

حقوق الطبع محفوظة للكاتب

الإهداء

إلى عشاق الشمس...
الذين يحملون هموم الناس البسطاء.
إلى أصحاب القلوب الكبيرة.

صَفعَةٌ

استجمع قوَّته المنهارة، وشقَّ الجماهير الغفيرة التي ترقص فرحًا وطربًا، واقترب من الحاكم، ابتسم بوجهه ابتسامة صفراء يابسة، وصفعه عل خده الأيسر.

تسمَّر الحاكم في مكانه، وسُمِعَ صدى الصفعة عن بعد أمتار بعيدة، وسط ذهول الجماهير. وعندما دغدغت الشمس جبهته السمراء سمع الباب يُقرع؛ يكاد يُقتلع من موضعه، نهض مسرعًا مرعوبًا، وقال: "من الطارق؟"

جاء الصوت من خلف الباب، المخابرات العسكرية.

طوشة

لمح الشاب من بعيد، حدَّق به بنظرة حادّة مثل عين النسر. تمتم بكلمات مبهمة، تناول هاتفه الذكي، أرسل رسالة قصيرة عبر مجموعة الصقور الجارحة، وخلال لحظات اكتظت الحارة الضيقة بالشباب يحملون الهروات والمفرقعات، أطلقوها بالهواء إعلانا بانطلاق الحرب.

الشاب المسكين وجدَ نفسه وسط الجموع الغاضبة والعِصِيُّ تهوى على جسده الغض، تركوه يلملم جراحه.
عندما سأل الشاب الذي أرسل الرسالة واستدعى الشباب الغاضب عن سبب المشكلة، قال:" داس على خيالي ولم يعتذر."!

في المطعم

دخل أفراد الأسرة إلى المطعم، جلسوا حول مائدة تطلُّ على البحر المتلاطم الأمواج، سأل النادل عدَّة مرات:"ماذا يطلب كل واحد منهم".

سَجَّل الطلبات بعناية فائقة، استلَّ كل واحد منهم هاتفه الذكي، وزّعوا اللّايكات وجمعوا مثلها، أخذ النادل الأطباق كما وضعها!

قفلوا راجعين، وبعد لحظات شعروا بعصافير البطن تعزف على أوتار الجوع.

مُسعِف

بلاغ عاجل عن وقوع حادث طرق قاتل.

ركب سيارة الإسعاف، تجاوز مائة سيارة طائرة، حاول مع الطاقم انقاذ السائق، تقرَّرَ موته.

التقط صورة سلفي مع القتيل والفضوليين وصحفي اللحظة، مع ابتسامة عريضة مصطنعة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وحصد شارات الإعجاب بغزارة.

لأنّكَ عَرَبِيٌّ

استقل حافلة تنقله من يافا إلى حيفا. حدق به السائق يكاد يفترسه بنظراته، استوقفه، طلب منه دون سائر الركاب بطاقة هويته، وفتش حقيبته وكتبه حول الديمقراطية وتقبل الآخر، سأله الطالب الجامعي:"لماذا تعاملني بهذا الشكل دون غيري؟"

تلعثم السائق والتصقت الكلمات السوداء على حافة لسانه اليابس، وقال":أنت ذو ملامح شرقية؛ ولهجتك تشي بأنّك عربي".

رمقه العربي بنظرة اخترقت بشرته السمراء التي قطعت الصحراء حافِيَةً؛ من أديس أبابا حتى مطار الخرطوم، وابتسم وقال:"نعم أنا عربي ابن الأرض وأعتز."

موتُ شاعِرٍ

غيَّب الموت الشاعر، وطافت في المكان قصائده المتناثرة تبحث عن قارئ ومتذوِّق، حطَّت على كتف صديق هنا ورفيق هناك، شعرت بالوحدة والخذلان وبرودة المكان، شُيِّع إلى مثواه الأخير دون العشاء الأخير، مع ديوانه البكر...
في الغد، جرت له جنازة الكترونيَّة لم يشهد مثلها التاريخ، وكُتبت فيه أروع القصائد العصماء، ونُشِرَت صورٌ تجمعه مع ألف صديق فيسبوكي...

ابتسم الناشر، وعضَّ على شفتيه، وصمت.

حُبٌّ مِنَ الدَّرجَةِ العاشِرَةِ

عَشِقا المسلسلات التركيّة، وحفِظَا كل كلمات الحب والعشق وأنواع الورود والزهور والعطور... كتب لها ألف قصيدة مزروعة بنبضات الحب، وكتبت له عصارات الروايات الأجنبية.

تزوجا... بعد أسبوع وقفا أمام القاضي يبحثان عن مخرج لورطة الزواج.

ثَروَةٌ مَعَ وَقفِ التنفيذِ

عندما طرق ملك الموت بابه على حين غرّة، وجده يقبض على بضع قروش، يحاورها ويستجوبها، ثم يحتضنها.
على شاطئ تل أبيب، قرأ ابنه خبر وفاته في صحيفة صفراء. اتّصل بمحامٍ، وبمدير البنك، يستفسر عن ثروته. ثم نشر صورة قديمة تجمعهما، وطلب قراءة الفاتحة على روحه وثروته.

نَصيبٌ

تدحرج القلب الصغير عدة درجات، ثم صعد، ثم هبط.. رسم القصور الفرعونية، وحدائق بابل المعلقة...
في النهاية؛ عاش في كوخ صغير، يقلب صفحات الزمن ويعاتب تَنَمُّرَ الروح وذوبان العاطفة وسط العاصفة الهوجاء... ويطل من نافذة خشبية صغيرة على أطلال العمر، ويبتلع غُصَّة في القلب.

مُظاهَرَةٌ

في الليل الحالك اجتمع واحد وخمسون مُتَظاهِرًا، مُلَثَّمين لا تظهر غير عيونهم اللامعة، حتى لا يشي بهم أحد، رفعوا شعارات ضد العنصرية، والفساد، وغسيل الأموال، وتُجّار المُخَدَّرات والأسلحة.

طلب منهم المُخبرُ أن يُسَجِّلَ كل واحد منهم اسم أحد المشتركين. فَسَجَّلَ كل واحد منهم إسمه.

زَيتونَةٌ

فاقت شُهرة الزيتونة الآفاق، ظلُّها وارف، زيتها له مذاق مُعَتَّق، تظل حلاوته أبد الدهر تحت اللسان، زيتونها يتلألأ تحت ضوء القمر، عمرها أكثر من ألفي سنة...

عندما غابت الشمس، وانتشر الضباب، تسلَّل عشرة لصوص مُتَخَفّين ومُقَنَّعين مع حلول الظلام، ومعهم آلات ثقيلة، واقتلعوا الزيتونة بينما كان أصحابها نيام.

مع طلوع الفجر، عندما جاء أصحاب الزيتونة للصلاة تحتها، لم يجدوا الزيتونة.

بحثوا عنها في كل مكان، ذرفوا العبرات السخيَّة، مزّقوا ثيابهم، وحفروا على صخرة كبيرة بجانب مكان الزيتونة،" كانت لنا زيتونة".

أما اللصوص؛ فقاموا بطلي جذور الزيتونة بلون أزرق، وتغيير جيناتها الوراثية، وانتظروا أن تثمر فاكهة جديدة، ومع موسم قطف الزيتون أثمرت الزيتونة زيتونا، فَصُدِمَ اللصوص!

ضمير

أخيرًا قرّر أن يزور عيادة سوداء.

استأصل ضميره بمشرط عتيق، لفه بمنديل ملوّن، وشيّعه إلى مثواه الأخير، قائلا: "أنتم السابقون ونحن اللّاحقون".

تُصبِحونَ على خَير

كان المذيع ينفث نشرة الأخبار، فيتسمَّم الكون!

رائحة الدم والخيانة والجهالة تفوح في كل مكان، وصدى الضياع على مائدة اللئام، سمعه من به صمم، الأيام اجترار يوم داحس والغبراء، وحرب البسوس، بحث المذيع عن خبر سار فلم يجد سوى:

تصبحون على خير!

ازدِواجِيَّةٌ

عندما كان يتربّع على مكتبه، تغيّر الأثاث مِرارًا، كذلك الزجاج، وحتى المبنى تغيّر أكثر من مرّة! إلا مدير القسم ظلَّ صامدًا رغما التقلّبات العائليّة والسياسيّة والجغرافيّة والتاريخيّة...

وأخيرًّ بلغ سن التقاعد القانوني، لا يستطع أن يتملّص، فتاريخ ميلاده معروفٌ ومُسَجَّلٌ في بطاقة هويَّتِه، وملفِّه الشخصي...

وعندما أقيم له حفل تكريم، استلم شهادة التقدير، وابتسم ابتسامة مهترئة، وسط تصفيق الجمهور.

عُرسٌ

جلس والد العريس القرفصاء، وبدأ يضرب أخماسًا بأسداس؛ كيف سوف يجهِّز لعرس ابنه البكر؟

طَبَعَ ألفي مكتوب، استَلَفَ دفتر جاره، وعَنوَنَ دعوات لجميع الأسماء التي وردت فيه، حتى التي فارقت الحياة بلا وداع!

الدُّبُّ

اشتمَّ الدُّب رائحة الخيانة والضعف والنفاق، والبارود.

أصدر صوتًا أرعب سكان الغابات البيضاء، فارتَعَدَت فَرائِصُهُم،

أطبق الدُّب بفكَّيه على السمكة، لم يلتفت لدموعها الساخنة، ولا لعيونها الخضراء، ولا لزعانفها الصفراء وتوسلاتها الحارّةِ..
وقف الدُّب ينظر إلى التَّلَّة البعيدة وهو يبتسم.

صُندوقُ الانتخاباتِ

استعدادًا للعرس الديمقراطي، تمَّ فرض منع التجوُّل على المواطنين، مُنِعَ الناخب والمرشَّح من الخروج ليلًا على رؤوس أصابعهم، مُنِعَت الدعاية الانتخابيّة والمهرجانات التهريجيّة، والولائم الملكيَّة، والمفرقعات الصينيّة...

تم التدقيق في وجهوهم المتعبة، وأنفاسهم المتقطِّعة، وضبط بطاقات الانتخاب بدقة متناهية.

مع حلول الظلام؛ لبس الليل عباءته السوداء الطويلة، وكان ثقيلًا، وعندما شقَّ الفجر طريقه إلى النور، وانتهى الفرز، وجدوا لكل ناخب صوتًا، وسوطًا!

والي المَدينَةِ

بعد يوم من العمل الشاق؛ جلست أراقب قرص الشمس الذهبي، كيف يغيب خلف البحار رويدًا رويدًا...
تسلَّل النعاس إلى عيوني، ثقل جسمي، ورحت أغط في سبات عميق، ورأيت فيما يرى النائم أنّ والي المدينة أصدر أمرًا بقطع يد السارق.

وعندما استيقظت، تذكرت أن عليَّ زيارة السوق القديم، لأتبضَّع التوابل، بحثت عن رَجُلٍ أصافحه، فلم أجد كَفًا!

العِفَّةُ

استيقَظَتْ مذعورَةً، ارتدت ملابِسها ونظارتها السوداء، سارت في أزقَّةِ المدينة بخطوات ثقيلة، حاولت أن تمشي منتصبة القامة، لأن ظلها سرعان ما تقلص.

مع إشراقة الشمس، لامست اشعَّتُها الحارقةُ ثُقوبَ ثوبِها الذي اخترقته العيون، واجترَّت الألسُنُ خيوطه...

حاول لسانها أن يغطي الثقوب، لكن قِصَرَهُ أخَجَلَها.

وَردَةٌ

اختطف وردةً!

اتّفق أنّي كنت أمُرُّ بالقرب من المكان، جريت خلفه، دخل غابة كثيفة الأشجار، وحاول التضليل...

دخل عدَّةَ طرقات وعرة، لكني كنت أتَتَبَّعُ رائحة القرنفل، ووقع خطواته على الأوحال، حتى لجأ إلى كهف مظلم...
شاهدت صورة شخصين مشوهة، كأنهما من الأشباح!

اقتربتُ رويدًا رويدًا... رحتُ أُدَقِّقُ النظر لأتعرَّف على تفاصيل وجهيهما...

فجـأة! اشتدَّ نور الشمس، فتحوَّل الرجلان لدودتين صغيرتين...

شَكوى

عندما خيَّم الليل على الحقول، وعلى ضوء القمر المنكمش، تسلَّلت الثعالب إلى حقول الجزر التي تملكها الأرانب البيضاء، وسرقت جهد الأرانب، وخرَّبت المزروعات، وعاثت فيها فسادًا...

في الصباح الباكر قدمت الأرانب شكواها إلى الأسد ملك الغابة.

وقف الأسد على صخرة عملاقة قرب عرينه المنيع، حاول أن يزأر، لكنَّ صوتَهُ كان مخنوقًا!

تقلَّص ظلّه، وعندما عطس؛ خرجت قطعة جَزَرٍ من حنجرته.

مارتون

فاز شاب مغمور، ذهل الإعلام والحكَّام والرياضيون!

لم يُشاهَد يلتهم عشرة دجاجات يوميًّا، ولا يتدرَّبُ في صالات الرياضة.

أجروا له فحص دم، فكان دَمُه أحمرَ قانيًا، لم يتناول العقاقير، لكنهم عثروا في جيبه على قصيدة.

يَملِكُ قَلبَينِ

كان يعطف على الأطفال المشرَّدين خلف الحدود، يرسل لهم الأموال من قوتِهِ وقوتِ أولاده، دون أن يكشف عن اسمه، دون أن يصور الأموال وينشرها في الفيسبوك..

وعندما توقَّفَ قلبُه يومًا، تحسَّسوا صدره، سمعوا نبض قلبٍ آخَرَ مازال ينبض بالحب والخير.

خَروفٌ وخِطابانِ

عَشِيَّة الانتخابات للسُّلطة المحليَّة، على عجلة اشترى خروفًا سمينًا، وكتب خطابين مختلفين، خطابًا خاصًّا لكل فائز، وراح يترقَّب أصوات المفرقعات من أيّة جهة سوف تأتي...

وأخيرًا انطلقت الزمامير والمفرقعات، رُجَّتِ القرية رَجًا، بحث عن الخروف؛ لم يجده، لكنَّه لمح الغبار خلفه.

فنجانُ دَهشَةٍ

سكبت فنجان قهوتها الساخن ليتأكَّد لها أن الصباح أطَلَّ بهيبته.

حدَّقت في فنجانها مشدوهة، رأت طيورًا، وامرأة، تتمدَّدُ على أريكة مريحة، تحسسّت خاتَمَها، واتَّصلت على الفور بزوجها، سمعت صوت المطرقة والمسمار، أغلقت الهاتف، وابتسمت...

عَرينُ الأَسَدِ

استغلَّت مجموعة من الثعالب والأفاعي وجود الأسد في رحلة صيد، فقاموا بهدم عرينه.

لمّا بلغ الخبر الأسدَ، زَأَرَ بقوَّة، وابتسم، وقال: "أينما حلَّ الأسد يكون عرينه".

شَجَرَةُ زَيتونٍ مُعَمِّرَةٌ

زرعها الجد بالعرق والدم، أهملها ابنه من بعده، تقلص ظلُّها وقلَّ زيتها.

الحفيد باعها بثمن بخس.

انتظر المشتري موسم الزيت والزيتون، في المعصرة هاله ما رأى! لم يجد قطرة زيت واحدة، وجد الدموع المالحة!

سُلَّمُ المَجدِ

أرادَتْ أن تعانِقَ حُلمَها الرابضَ على جبل الأمنيات، لكنها كانت قصيرة القامة، ولا تملك سُلَّمًا سِحريًّا، ولا حذاءً كبيرًا لمقاومة الأشواك الضارَّة... فدخلت من باب قلبها، فكانت أوّل الواصلين، عانقت قلبها، بكت ثم ضحكت طويلا...

وَردَةٌ حَمراءُ

قَدَّمَ لها وردةً حمراء، وذهب مع الريح.

بعد مرور أربعين عامًا، مازالَ شذاها يعبق في حُجَيرات قلبها.

الحَلّاقُ الثَّرثار

يترك مقصَّهُ يعمل سريعًا، بلا كلل ولا ملل ـ

تتدفَّق قصص البيوت والرجال والنساء والسياسة، يهزُّ برأسه، ينفض الشعر الأسود والأبيض ويبتسم، يضع في حقيبته الصغيرة ما جمعه من مال وقصص.

برتقال يافا

أراد أن يُهدي صاحبه الأجنبي عدَّة حبَّات من البرتقال، لكنه لم يفتح له الباب.

دخل مع صديقه العربي مطعمًا، تناولا وجبة سريعة، لم تنل إعجابهما.

تناولا حبَّة برتقال، واسترسلا في ذكريات الشقاوة، وكانت رائحتها تدغدغ الذاكرة والتاريخ.

فنجان قهوة

شربتُ فنجانَ قَهوَتي، تأمَّلت تعرُّجاته، وخطوطه، رائحة القهوة تسلَّلت إلى روحي، شعرت بتيَّار من السعادة يدغدغ قلبي، فطلبت فنجانًا آخرَ، طمعًا بجرعة أخرى من السعادة، فلم أجدها....

تاجِرُ الحَميرِ

اشترى تاجر الحمير جميع حمير القرية، أضاف إليها الرسن والخرج ونظارةً وقَلَمًا، وأعطاها اسمًا هِندِيَّا، وباعها لأهل القرية بعشرة أضعاف!

شاعِرُ المرأة

كتب ألف قصيدة عصماء في حب المرأة ونُصرَتِها، وعندما ارتفع صوتها عليه، صفعها على خدها الوردي، فسقطت تفاحَةٌ حمراء، وتناثرت كل القصائد الجرداء.

العُيونُ العَسَلِيَّةُ

كُلَّما نهض من فراشه رأى عينها العسليَّتَين، وكلَّما حدَّق بشيء تطلُّ عينَاها! كلَّما شرد توقظه عيناها...

شكى لطبيب العيون، اكتشف أنّها تسكن في ضوء عينيه؛ فيرى النور من خلال عينيها.

حُلُم

ذهب على رؤوس أصابعه لإيقاظ حُلُمِهِ، لمسه بأطراف أصابعه، شعر أنَّ حلمه ابتلعه خلسة...
أحسَّ بالبرد والجوع والغضب والندم في أحشائه.

تَواصُلٌ

بحثوا في هاتفه وفي رسائله عن رسالة لعشيقة، لم يجدوا.

قيل له: "كيف تتواصل معها؟"

قال: "للقلب شيفرة لا يعرفها إلّا العاشق".

خَيال

عندما خرجت من الظلمة، أطلَّت الشمس برأسها. خطواتها كانت ثقيلة، جسمها بدأ يتقلَّص، خيالها يتقزّم... خيالٌ آخر يلتصق بها، حاولت التخلُّص منه؛ لكن عبثا...

مَدينَةُ المَلاهي

تَحَرَّكَت الألعاب بشكل فنِّيِّ بهلواني، كاد قلبه يتوقَّف من شدَّة الخوف، بحث عن قناع السعادة يغطِّي به وجهه أمام الأطفال الغرباء، لم يجد، استل من جيبه الصغير كمَّامة سوداء نَسِيَها من موسم الشتاء المنصرم.

مُخالفةٌ

كان الشرطي غليظ القلب، يتربَّص بالناس، يسجِّل المخالفات يمينًا وشمالًا، وجهه مكشوف، لا يملك كمّامة.

طأطأ رأسه، رأى كمّامةً عتيقة يعلوها الغبار، انحنى.. التقطها، وارتداها...

أعمى

فجأة! لم يعد يرى!

أجرى جميع الفحوصات الطبِّيَّة.

عيونه سليمة!

اتَّضح أنّه بحاجة إلى نظارة لقلبه الأسود.

بُرجُ خَليفَة

صعد قمَّة برج خليفة، اقترب من الغيوم الرماديَّة، شاهد تقزُّمَ الزمان والمكان والناس والسيّارات...
هرب بذاكرته إلى زقاقات مدينة القدس، شعر بنسمة من السعادة تغمر روحه.

حَبَّاتُ المَطَرِ

أمطرت الدنيا بغزارة، تبخَّر الناس من الشوارع.
مدينة أشباح!
اشتعلت الذاكرة، كيف كان يجوب الحارات والوديان مبلَّلًا بحبات المطر الكريمة؟
يشعر بنشوة من الجنةَّ.

وطن

كلَّما هَمَّ بالنهوض ليلعق جراحه، ويضم الأبناء إلى صدره، ويشم رائحة الورد، ويعانق النجوم ويبتسم للشمس... ألقوا أمامه الحبال والسكاكين والبارود...
يسقط وفي عينيه عتاب للشمس.
يحاول أن لا يسقط من يديه صندوق التاريخ المتأرجح.

لايك

رمقه بنظرة حادَّة أحرقت جسده الغض، بخل عليه بالسلام الجاف، قاطعه، وحذفه من قائمة الأصدقاء، لم يدعُهُ إلى عرس كريمته...
لمَّا عاتبه بعد سنوات، قال له: لم تكرمني يومها بلايك يتيم!

بَطَلٌ مِن دُخانٍ

بدأ يقص بطولاته الهولووديَّة، وكراماته، وأساطيره... والناس من حوله في ذهول وسُكرٍ مِمّا يسمعون.
لمّا أشار إليه أحد الحضور بأني دارس للموضوع؛ تـأتأ، وابتلع ريقه، صغر عيونه، خرج لإشعال سيجارة عذراء يعلِّمها بطولاته.

جَوازُ سَفَرٍ

منحته جواز سفر إلى مملكة قلبها.
أقام مدَّة من الزمن في حجيرات القلب.
عندما أراد الرحيل، وجد كل المطارات والمعابر موصدة في وجهه.

الواعِظُ

ضمّوه إلى كل لجان الصلح.
يقف خطيبًا بين المتخاصمين، يحثُّهم على الصلح سيد الأحكام والأنام...
وعندما يلبس الليلُ عباءَتَه السوداء، يُشعِلُ نار الفتنة بحطب العائليّة والطائفيّة بعود ثقاب الأنا.

في غُرفَةِ اللَّياقَةِ البَدَنِيَّةِ

التفكير يركض بجنون، كأنّه جزء من الأجهزة والعضلات، تتراقص تتراكض الأفكار في الشرايين والأوردة والخلايا النائمة، كأنّها في سباق ماراتون، قرارات تتطاير في الهواء، تتبخَّر بين الشمس والغيوم، تَوارُدُ أفكار بين حبيبين، بين الخيال والوهم، عقارب الزمن تعدو في تسارع على صدر ساعة قديمة مثبتة على الحائط الصامت الذي يراقب عن كثب الهمسات والعبرات والآهات وتبادل النظرات...
بين الود والغضب؛ أتَنَهَّد وأنظر إلى عقارب الزّمن، وابتسم.

شتاء

سمع طرق المطر على نافذته، أسرع وشرَّعها، حدَّق في السماء، شاهد غيمة سوداء، تَخَيَّلَها تحمل له أمنيات الطفولة، وأحلامه المؤجلة.

هرول إلى ساحة منزله، لا يعرف كيف وصل بسرعة البرق! وقف تحت المطر، شعر به يطبع على جبينه قبلةً لذيذة كان يتمناها، وأن المطر يحتضنه، ويقول له: "ابني الغالي"
شعر بحرارة العناق.

حَظر

قالت له: صداقتنا طاهرة خالية من المصالح.
طلبت منه خدمة صغيرة، عاد صفر اليدين.
قلَّمت أصابع الصداقة، لفظت الصداقة أنفاسها الأخيرة على كتف الصباح، حظرته من روحها وقلبها وحاسوبها وهاتفها... وابتسمت.

طائِرُ العَنقاءِ

الأساطير تتحطَّم على معابد الحقيقة وشوك الواقع، ومن حطامها خرج طائر العنقاء يلتهب نارًا بلون الدم، رفرف بجناحيه العملاقين عاليًا وسط ذهول الناس، بين المصدق والمكذب، حتى أحرقت ألسِنَةُ النار عيونهم الذابلة.

مكالَمَةٌ بارِدَةٌ

رنَّ هاتفُهُ النقّال، حمد ربه أنّ ابنته اتصلت به بعد غياب ساعات طويلة عن البيت، قال في قرارة نفسه: الحمد لله سألت عني، ربما قلقت علي، ربما هي دعوة لوجبة غداء فاخرة تنتظره...
قالت: أبي أين وضعت هاتفي؟
أغلق الهاتف، شعر ببرود الهاتف، وبرودة المكان، وتَحَنُّطِ المشاعر.

وَردَةٌ

وردة حمراء، ساقها ممشوق، يفيض شذاها ويدغدغ الأنوف. أرسلت له رسالة مع أنسام الريح.
بحث عنها في الحديقة العامة، اقترب منها قليلًا، قالت له: أنت أول فارس يقترب مني.
استجمع شجاعته وشم عطرها، شعر بكل الأيدي التي عانقتها قبله، ابتسم وأكمل طريقه دون أن يلتفت إلى الوراء.

عِتاب

انقطعت أخبارها دون مقدمات.
مع العتمة عادت إليه، وقالت له: أعترف أنك أخطأتَ بحقي، وارتكبتَ كل الكبائر بحق كبريائي.
هز برأسه، وهز قلبه الصغير، وتساقط ما علق به من حب قديم.

مُتَسَوِّل

نزل من سيارته الفارهة، التفَتَ يمينًا ويسارًا، يبحث عن عيون تلاحقه!
أخذ عكازه العتيق، وضع نظارة سوداء على عينيه، وكمامة بالية على وجهه...
نزل مسرعًا، لكنه تذكَّر شيئًا، فمشى يجر قدميه بتثاقل، يتأرجح بخطوات صغيرة...
عندما وصل إلى دوّار القرية، نظر إلى ساعته؛ فكانت منتصف الظهيرة، رمق ساعته الثمينة "رولكس" وابتسم.

عيدُ العُمالِ

احتفل الجميع بعيد العمال، إلا العمال الذين أيقظوا الشمس من نعاسها، جهَّزوا زادهم المغموس بالعرق والدم، وقفوا تحت أشعة الشمس طويلًا، تلسع جلودهم، وتتسلَّل من بين جيوبهم الخاوية...
صاح كبير الموظفين الذي مرَّ بسيارته الفارهة بجانب مكتبه المغلق: "عاش الأوَّل من أيار ".

وردَةٌ وَلَسعَةٌ

وردة حمراء، تنظر إلى صديقها القمر، مرَّ بجانبها ثعلب فروه أحمر، سال لعابه، وتزحزحت عيناه من مكانهما، اقترب كثيرًا من الوردة، قال لها: "أنت لي". فوخزته بشوكها في أنفه الأحدب حتى فقد حاسّةَ الشم، تقلَّص ظلُّه...
أمّا الوردة؛ اقتربت أكثر من صديقها القمر.

 سيرة ذاتية للمؤلف:

 سهيل ابراهيم عيساوي - مواليد 1973 كفرمندا.. كاتب، مدير مدرسة ابن سينا الابتدائية في كفرمندا. حاصل على اللقب الثاني من جامعة بئر السبع.

توزع نتاجه الأدبي بين الشعر والبحث التاريخيّ والأدبي، وقصص الأطفال...

 صدر له حتى الآن:

1 - وتعود الأطيار إلى أوكارها - (قصائد). 1994
2 - نظارتي - (تأملات).1996
3 - فردوس العاشقين - (قصائد وخواطر ).1996
4 - وتشرق أسطورة الإنسان - (قصائد ). 1998
5 - بين فكي التاريخ - (بحث تاريخي).1999
6- غسان 2000- (وهو دراسة عن الشيخ غسان حاج يحيى ). 2000
7- أوراق متناثرة – مقالات 2003
8- قصائد تغازل الشمس (قصائد).2003
9- ثورات فجرت صمت التاريخ الاسلامي. ( بحث تاريخي) 2005
10- النحت في ذاكرة الصحراء ( ذكريات ومواقف)2007
11- معارك فاصلة في التاريخ الاسلامي, بحث تاريخي 2008
13- 60 لعبة شعبية، اعداد وترجمة، مشترك مع د.أمين مقطرن، محمد جنداوي، وفيقة أيوب، إصدار وزارة المعارف،2008
14- عندما تصمت طيور الوطن،شعر،2009
15- الطريق الى كفرمندا عروس البطوف – بحث-2010
16- تصبحون على ثورة , بحث سياسي، 2011.
17- على ضفاف نهر الأدب،قراءة في عالم الكتب،2013
18- الكتابة على ضفاف الروح بالاشتراك مع الكاتبة هدى عيسى

 في مجال قصص الأطفال:

18 – يارا ترسم حلما- 2013، ط 2 - 2014، ط 3 - 2015
19- احذر يا جدي –2013
20- طاهر يتعثر بالشبكة العنكبوتية،2013، اصدار المكتبات العامة ومركز الكتاب
21- بجانب أبي، 2014، إصدار أ.دار الهدى
22 – الأميرة ميار وحبات الخوخ، 2014،إصدار أ.دار الهدى
23- الصياد والفانوس السحري، 2014، إصدار أ.دار الهدى
24 – ثابت والريح العاتية، 2014،
25 – توبة الثعلب – بالعربية والعبرية،2015
26: في ضيافة رجال القضاء،
27 - عفيف بحب الرغيف
28 - قبطان في قلب العاصفة
29: قرصان البحر الهائج.
30.: الأسد الذي فارق الحياة مبتسما
31. ⁠عصفور في السماء.
32. ⁠الملك فهمان الزمان.
33 دراسات في ادب الاطفال المحلي 2015
34 الصراع العربي الاسرائيلي في ادب الأطفال
35- الإعاقة وتقبل الآخر في أدب الأطفال
 أشرف على اصدار اكثر من 30 قصة ضمن دورات الكتابة الإبداعية

 صدر عنه:

1-اضاءات في شاعرية سهيل عيساوي ,للناقد المغربي محمد داني 2008
2- دراسة في قصص الأطفال لسهيل عيساوي، للناقد المغربي محمد داني،2015
3 - ادب الطفل المحلي. سهيل عيساوي انموذجا. ايمان مصاروة.
4- ادب الأطفال عند سهيل عيساوي. حاتم جوعية.
5- بنية القصة عند سهيل عيساوي / محمد داني. المغرب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى