الثلاثاء ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم جيهان السيد عبدالجواد

هجوم الفراشات

"في قلب فلسطين الحبيبة"

في بيت فقير مبني من الحجارة على الطراز القديم، وفي الغرفة التي يملأها البرد والهدوء مثل ظلمة الليل القاسي صور لأسرة كاملة رحلت تملأ حيطان الغرفة؛ يجلس "عمار" على جهاز الكمبيوتر الذي أهداه له أستاذه "مهند" للتواصل معه عن طريق الإيميل، وفي هذه الأثناء يأتي اتصال من صديقه الفرنسي "فيليب" الذي يسكن في تل أبيب مع والده.
 أهلاً بك صديقي.
 أهلاً بك.
 ماذا تفعل الآن؟
 لو تعرف يا "عمار" ما أفعله لسوف تفقد وعيك من شدة السعادة.
 قل لي إذاً وأسعدني.
 لقد تم الانتهاء من عمل الطائرات الورقية.. وطبعاً صاحب المصنع يعلم أننا سوف نبيعها.
 ماذا تقول؟! أحقاً انتهى عمل الطائرات الورقية؟!
 طبعاً يا "عمار" وهل أمزح في هذا الموضوع؟! لقد اقتربنا من تحقيق خطتنا أخيراً وبعد سنوات من البحث.
 شكرا لك يا "فيليب".
 لا تشكرني؛ إن قضيتكم أصبحت قضيتي أنا وكل إنسان لديه رحمة.. ولن أترك القضية إلي أن نطهر أرضكم فلسطين من الأعداء.. ونحن معكم إلي النصر أو الموت.
 سوف ننتصر بإرادتنا وترابطنا معاً وبعد تحالف أصدقاء لنا من دول العالم.. ولكني أخاف عليك من أبيك.. لو عرف ما تفعله سيبلغ عنك أو يجعلك تغادر تل أبيب على الفور وترجع إلى فرنسا.
 لا تفكر كثيراً لأن أبي هنا محاط بالرعاية والتدليل.. لأنه أخذ الجنسية الإسرائيلية بسبب العربات التي صنعها خصيصاً لليهود فأصبح مهم جداً هنا.. ولا يوجد وقت لديه لكي يأتي إلى البيت.. وهو أيضاً يعلم أنني أدرس مشروع التحكم عن بعد في أجهزة الكمبيوتر.. وحتى لو عرف فلا يستطيع أن يبلغ عني لأنه يخاف أن يتم إعدامه معي.
 ومع ذلك كن حريصاً.
 لا تخْف.. نحن نتواصل مع أصدقائنا منذ أكثر من ثلاث سنوات.. وكل يوم نعمل ببرنامج جديد للتواصل مع بعضنا البعض.. ولا يستطيع أحد في العالم اختراق أجهزتنا.
 قل لي متى سنبدأ الحملة على فيس بوك؟
 سوف نبدأ بعد عمل التجربة النهائية للفراشات.. إن عمل خمسة ملايين طائرة ورقية أخذ وقتاً كبيراً.. أما الفراشات الإلكترونية تم العمل عليها منذ سنتين.. واقتربنا من تجريبها بشكل نهائي.

 ولكني ما زلت أخاف من اختراق أجهزتنا.. فهذا يؤرقني في نومي.
 قلت لك لا تخف يا "عمار".. أنا أصمم برامج لا يمكن اختراقها أبداً، ولا تنسَ أنني أتواصل مع "مايكل".. وهو الخبير في تصميم برامج الحماية للشركات والبنوك في أمريكا.. ونحن نعمل على تجديد البرامج دائماً.
 الحمد لله.. أنا ثقتي بك أنت وأصدقائنا كبيرة جداً.. وأتمنى أن تنجح خططنا ونقضي على تل أبيب بأكملها.
 سوف نقضي عليها وندمرها بالتقنية النانوية المعدلة.
 تمام.. سوف أغلق معك لأن "مصطفى" يتصل عليّ من مصر.. سوف أتحدث معه ثم أخبرك بالجديد.
 تمام.
 أهلاً يا "مصطفى".
 أهلاً يا "عمار".. ما آخر الأخبار لديكم؟
 الأخبار جميلة جداً.. لقد تم الانتهاء من عمل الطائرات الورقية.
 حقاً؟! الحمد لله.. نحن أخيراً نقترب من تحقيق الخطة.
 الحمد لله.. فكرتك كانت عظيمة يا "مصطفى" لأنك فكرت بالطائرات الورقية لكي تحمل الفراشات الإلكترونية المحملة بغاز الأعصاب.. فقد أرهقَنا البحث وقتها في إمكانية حمل الفراشات بطريقة جديدة.
 نحن نعمل معاً ولا أحد يفكر في بطولة فردية.. ولو أستطيع أن آتي بنفسي لكنت أتيت دون تفكير يا "عمار".
 كيف تأتي ونحن أصحاب البلد ولا نستطيع أن نتحرك أو حتى نتنفس على أرضنا.
 لا تحزن.. نحن أصبحنا على قلب رجل واحد.. وأنا معك إلى آخر نفس مهما يحدث.
 سوف أغلق لأن جدتي تصيح مثل عادتها.. سلام يا "مصطفى".
 سلام يا "عمار".
 نعم جدتي.
 ماذا تفعل؟ أنت تجلس على هذا الجهاز كل يوم وتتركني وحيدة لا أجد من أحدثه.
 آسف جدتي.. لن أتركك كثيراً بعد ذلك فقد اقترب تحقيق الحلم.
 أيّ حلم؟
 لا.. أنا أقصد الفيلم الذي أشاهده.
 ولكنك لم تكن تشاهد فيلماً.
 لا.. أشاهد فيلماً تسجيلياً أتعلم منه الكثير.. فأنت تعلمين بأن المدارس قد هُدمت معظمها.. وأنا أذاكر
مع أصدقائي على الكمبيوتر.
 ربنا يوفقك يا حبيبي.. أنت هدية الله لي بعد أن فقدتُ أحبابي جميعهم.. سوف أجهز الطعام لنأكل سوياً.
 تمام يا جدتي.. وأنا سوف أساعدك.

وبعد تناول الطعام غادر "عمار" الطاولة فسألته جدته: أين تذهب يا "عمار"؟

فرد قائلاً:
 سوف أقرأ قليلاً في غرفتي.

هنا يأتي اتصال من صديقه "فواز":
 آلو.. السلام عليكم.
 أين أنت يا "فواز"؟ لم نتحدث منذ أيام!
 كيف حالك يا "عمار"؟
 أنا بخير.. هل علمت بآخر الأخبار؟
 طبعاً.. لقد تحدثت كثيراً مع صديقنا "فيليب" وقال لي أنه تم الانتهاء من عمل الطائرات الورقية.
 أخيراً نقترب من تحقيق الحلم.
 هل تصدق أن حلمنا الصغير تحول لواقع وسوف نسحق أعدائنا ومبنى الموساد؟!
 سوف ننجح إن شاء الله.. وأنا جمعت عدداً لا بأس به من ملابس الشرطة الإسرائيلية على مدار سنوات.. وتم تدريب فرق المقاومة في النفق السري.
 حقاً حظنا جيد.. والنفق جاء لنا نجدة لأنه تحت منزل ولا يتوقع أحد مكانه.. وبهذه الطريقة نكون قد مشينا بطريقنا الصحيح والله يكون معنا.
 سوف أبدأ بالحملة على فيس بوك.. أنا والباقون من أصحابنا في فلسطين وقد أرسلت لك المنشور كي تراه.
 سوف أراه حالاً.. ها هو أمامي.

يقرأ "عمار" المنشور بصوت مسموع "إخواني في فلسطين أنا أخوكم "مهند"، أريد منكم أن تشاركوا معنا في إحياء طفولتنا التي قد سُلبت منا، سوف نعيد للحياة بهجتها، ونلعب بالطائرات الورقية جميعاً في وقت واحد؛ لكي نقول للعالم أننا مازلنا أحياء، لن نتخلى عن حلم الطفولة التي لم نعشها؛ أريد أن يرانا العالم ونحن نعيش لحظات جميلة في بداية عام 2030، وحتى في أوقاتنا العصيبة سوف نصمد ونقاوم للنهاية".

 ما كل هذا يا "فواز"؟! لقد تأثرت بكلامك لدرجة أنني صدقت.
يضحك "فواز" بصوت عالي وهو يكتب لصديقه "عمار" واستطرد قائلاً:
 نحن نريد أن نؤثر على الجميع لكي نحقق الهدف ونجعل العالم كله يشارك معنا في إطلاق الطائرات الورقية للفت الأنظار والتشويش على الحدث.
 لكننا نريد تحديد اليوم والوقت على فيس بوك لتكون الحملة ناجحة.
 بالطبع سوف نتفق على الميعاد المحدد.. ولكن بعد تنفيذ التجربة أولاً.
 ولكن لمَ تسمّي نفسك "مهند" على فيس بوك؟
 فقط تحسباً لأي شيء.. سلام.. سوف أحدث أستاذنا "مهند" وأبلغك بالجديد.
 سلام يا "فواز".

بدأ فواز بالاتصال باستاذ "مهند" عبر الإيميل:

 السلام عليكم أستاذي.
 وعليكم السلام يا "فواز".. لقد قرأت المنشور على فيس بوك.. وأذهلني أسلوبك
في تحريك مشاعرنا.. ومن الجيد أنك لم تحدد اليوم وإلا كنت أربكتنا كثيراً.
 لا يا أستاذي.. أعلم أن التجربة النهائية غداً إن شاء الله.
 فعلاً سوف يقوم "فيليب" بالبدء في إطلاق الفراشات التجريبية غداً.. لأن موقعه في تل أبيب ساعدنا في ذلك.. ثم يخبرنا مدى نجاح المهمة.
 ولكن ممكن تشرح لي مدى ثقتك في الفراشات؟ وهل التحكم بها عن بعد سوف يأتي بالنتيجة المرجوة؟

بدأ أستاذ "مهند" بشرح تفاصيل العملية:

 من البداية كان يصعب علينا فعل هذه الفراشات الإلكترونية المحملة بغاز الأعصاب، ولكن بعد أن جاء "روبرتو" صديقنا الإيطالي بفكرة التحكم عن بعد وتحميل الفراشات بغاز السارين بطريقة جديدة قد ابتكرها هو واثنان من أصدقائه، وهي مبرمجة لتطير مسافات طويلة، وتعتمد على تقنية جزيئات النانو المعدلة، وقد تم تخفيف الغاز وجعله يشبه الرذاذ ليكون أقوى في تأثيره وسرعة انتشاره، وأيضاً ليسهل عملية تحميله للفراشات، وقد صنعوا بطاريات صغيرة الحجم ولكنها فائقة الطاقة بشكل مذهل، وهذا ما فعله "روبرتو"؛ غير أن التحكم في انتشار غاز الأعصاب كان شبه مستحيل؛ بسبب قوة الرياح منذ مدة قصيرة، ولكنه عمل على إحاطة الجهاز بمادة شفافة مصنوعة من جزيئات النانو الدقيقة أيضاً وقد تم تجريبها بالطبع، وهذه المادة غيرت موازين الخطة من الأساس، وجعلتها حدث فاق جميع توقعات الإيطاليين أنفسهم، وقد ساعدتهم الأشعة تحت الحمراء في التحكم عن بعد، وأيضاً التحكم عن طريق القمر الصناعي بالتقنية النانوية الجديدة والمعدلة.
 أستاذي، هل كنت تصدق يوماً ما أن يتم التحالف معنا ومساعدتنا من قبل أصدقائنا من دول أوروبا والوطن العربي بأكمله وحتى أمريكا؟!
 الحمد لله.. منذ أن تعارفنا على فيس بوك في سنوات الاعتداء ونحن مثل الأخوة.. ولا يوجد كلمة "هذا من أصل عربي فلا نصدقهم"، نحن عانينا كثيراً من هذه السخافات التي جعلتنا منبوذين من العالم.. ولكنا وجدنا أخيراً من يؤمن بقضيتنا؛ بل ويعمل معنا على إنقاذ أرضنا من هؤلاء الطغاة.
 ولكني لا أصدق أننا سوف نقضي على تل أبيب عن طريق الفراشات الإلكترونية وبالتحكم عن بعد.
 لا تفكر كثيراً، وهل سيحدث شيئاً أسوأ مما حدث لنا طوال هذه السنوات؟
 فعلاً معك حق.. الله لن يضيعنا.
 تذكر يا بني أننا شهداء إذا حدث لنا شيء.
 الحمد لله الذي قدّرنا على الصبر.
 سلام يا "فواز".. سوف يرانا العالم قريباً بعد النصر إن شاء الله.
 سلام أستاذ "مهند".

في صباح اليوم التالي يأتي اتصال من "فيليب" إلى "عمار":

 أهلاً بك يا صديقي.. كيف حالك؟ وهل يوجد خبر عن التجربة؟
 يوجد خبر جيد يا "عمار".. لقد نجحت التجربة بجدارة.
 حقاً يا أخي؟
 نعم.. لقد أطلقوا الفراشات التجريبية منذ ساعة.. وفي الوقت المحدد انتشرت وهي محملة بمادة تجريبية.. ولم يأتِ إشارة بمعرفتها ولا الكشف عنها من أجهزة التجسس إلى الآن.. وأيضاً لا يوجد رصد من أي جهة.
 معنى ذلك أننا نجحنا.. وسيكون عام 2030 بداية لنهاية الظلم.
 نعم.. لقد نجحنا وسوف يكون التنفيذ بعد خمسة أيام من الآن.

بعد مرور خمسة أيام بدأ إطلاق الطائرات الورقية في جميع أنحاء العالم تضامناً مع أطفال فلسطين في مظهر مهيب، وقد تم نشره على فيس بوك بطرق مباشرة، وفي نفس الوقت أطلقت عمليات التنفيذ من قبل فريق المقاومة والذي يتكون من 77 فرد من أنحاء العالم طبعاً ما عدا إسرائيل، اتصل أستاذ "مهند" الفلسطيني -وهو مدرس كيمياء متقاعد- ليتحدث مع "فيليب":

 أهلاً "فيليب".. شكراً على مجهودكم.
 أهلاً أستاذ "مهند".. ألف مبروك لنجاحنا.. لقد انتشر فريق المقاومة في مدينة قلقيلية في زي الشرطة الإسرائيلية لكي يستطلعون قبل البدء.. ولم يرتَبْ أحدٌ من وجودهم حتى الفلسطينيون.. وعندما أعطوا الإشارة بالبدء تم إطلاق الفراشات الإلكترونية وتم التحكم بها عن بعد بنجاح كبير..

وانتشر الغاز في تل أبيب فقط مثلما أردنا.. ولم تسجل أي خسائر من الفلسطينيين حتى الآن.

 الحمد لله على النصر.. ولكني كنت أخشى من غاز الأعصاب على البلد.
 قلت لك أستاذ "مهند" أن هذه العملية مضمونة؛ لأن التقنيات جديدة ومعدلة بفضل الخبراء في إيطاليا وأمريكا وألمانيا أيضاً.. ولا يتم تأثير الغاز سوى على المنطقة المحددة فقط؛ بفضل التحكم عن بعد من أكثر من بلد دون الكشف عن هوية الفاعل ومكانه.. أما بالنسبة لأعدائنا فقد أثر الغاز على مناطق الإحساس.. والإدراك لديهم أصبح منعدماً.. وأصبحوا عاجزين تماماً.. وانتهت أخيراً سلطتهم على العالم وتجبرهم.

 الحمد لله.. نجحت الفراشات والكل يبارك لفلسطين.. والعالم كله يحتفل معنا اليوم.

تمت بحمد الله


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى