الاثنين ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٢٥
بقلم فوزيّة الشّطّي

نشيدُ الصّمود

التّصدير:

«وَمَا نَيْلُ الـمَطالِبِ بِالتَّمَنِّـي .. وَلَكِنْ تُؤْخَذُ الدُّنْيَا غِلاَبَا».
الشّاعرُ المصريُّ أميرُ الشّعراءِ أحمد شوقي [1868-1932].

قُلْ لِلزَّمَانِ إِذَا أَتَاكَ مُعَرْبِدًا:
"مَا شِئْتُ، لاَ مَا شَاءَتِ الأَقْدَارُ"(1).
شِئْتُ الـحَيَاةَ بِعِزَّةٍ لاَ تَنْحَنِي
هَلْ يَنْحَنِي طَوْدُ الرُّبَى الصَّبَّارُ؟!
"سَأَصِيرُ يَوْمًا مَا أُرِيدُ" (2) أَنَا هُنَا
مَهْمَا تَشَيْطَنَ ضِدُّنَا التَّاتَارُ.
حَسْبِي مِنَ الـمَجْدِ التَّلِيدِ جُـمَارُهُ
نَفَقٌ يَضِجُّ وَجِلْسَةٌ سِنْوَارُ.
أَرْمِي العَصَا رَجْـمًا وَنَزْفِي عَارِمٌ
أَرْمِي فِنِيقًا هَاجَهُ الإِعْصَارُ.
لاَ شُلَّتِ الأَيْدِي الَّتِي قَدْ سَطَّرَتْ
طُوفَانَنَا وَالعُدَّةُ الأَظْفَارُ.
ضَاقَ الـخِنَاقُ عَلَيَّ حَتَّى خِلْتُنِي
أَسْلَمْتُ رُوحًا رُوحُهَا جَسَّارُ.
وَجَلَدْتُ حَتَّى ظُنَّ أَنِّـيَ صَخْرَةٌ
صَمَّاءُ مَاتَ فُؤَادُهَا الفَوَّارُ.
إِنَّ الصُّمُودَ جِبِلَّتِـي، فَلْتَسْأَلَنْ
عَنِّي يُـحَدِّثْ سَيْلُنَا الـهَدَّارُ.
مِلْحُ التُّرَابِ رَغِيفُـــنَا وَإِدَامُــنَا
مِنْ عَبْرَتِـي يَرْوَى الصَّدِي الـمِهْذَارُ.
نَـجْمُ السَّمَا قِنْدِيلُنَا إِنْ أَظْلَمَتْ
ظُلْمُ الأُخُوَّةِ قَاتِـمٌ قَهَّارُ.
كَمْ مِنْ مَـحَارِقَ سُعِّرَتْ فِي لَـحْمِنَا
عِفْنَا الشِّوَاءَ وَجُوعُنَا سَقَّارُ.
يَا وَاهِبَ الأَرْزَاقِ، حَسْبِـي خُلَّةٌ
تَـجْلُو الغَمَامَةَ شَـمْسُهَا العَشْتَارُ (3).
فِـي الضِّفَّةِ الوُثْقَى نُدُوبٌ لِلْعِدَى
هِيَ صَخْرَةُ الوَادِي، هِيَ الـمِعْيَارُ.
كَفُّ اليَمَانِي خِصْبَةٌ لاَ تَنْثَنِي
لُبْنَانُ دِرْعٌ رَادِعٌ كَسَّارُ.
أَمَّا العِرَاقُ فَمَا يُقَصِّرُ عَنْ نَدًى
إِثْـمُ التَّخَاذُلِ شَائِنٌ صَغَّارُ.
"لاَ رَأْيَ لِلْحَقِّ الضَّعِيفِ وَلاَ صَدًى" (4)
يَـجْلُو الـحَقِيقَةَ عَزْمُنَا البَّتَّارُ.
قِفْ، يَا زَمَانُ، بِغَزَّتِـي مُتَنَدِّمًا
عَنْ ذَا الـخَرَابِ تَعَامَتِ الأَبْصَارُ.
اِخْلَعْ ثِيَابَ الـمَعْصِيَهْ، ثُمَّ اغْتَسِلْ
بَـحْرُ الـهَوَاشِمِ (5) طَاهِرٌ غَفَّارُ.
إِنَّ الضَّمِيرَ إِذَا كَبَا صَارَ الوَرَى
غِيلاَنَ شَـــرٍّ كُــــفْــرُهُمْ كَــفَّارُ.

فوزيّة الشّطّي، تونس: 2025.02.16

الهوامش:

(1) هذا اقتباسٌ مِن قصيدةِ الشّاعر ابنِ هانئ الأندلسيّ [326-362ه/938-973م] في مدحِ الخليفة الفاطميّ المعزِّ لدين الله. وفيها يقولُ: «مَا شِئْتَ لاَ مَا شَاءَتِ الأَقْدَارُ .. فَاحْكُمْ. فَأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ».
(2) هذا اقتباسٌ مِن "جِداريّةِ" الشّاعر الفلسطينيّ محمود درويش [1941-2008].
(3) عَشْتَار: إِلهةُ الحبِّ والحربِ والخِصبِ والجمالِ والعدالةِ. نشأتْ أثناءَ الألفِ الرّابعة قبل الميلاد فِي بلادِ ما بينَ النّهريْن. عبَدَها السُّومريُّون والأكاديّون والبابليّونَ والأشوريّون والمصريّون القدامَى. عُرفتْ باسمِ "ملكة السّماء". مِن أشهرِ رموزِها النّجمةُ الثّمانيّة الّتي تُشير إلى كوكبِ الزُّهرة. أبوها "سين" إلهُ القمر. أمّها "ننكال" إلهةُ البساتين. أخوها "أوتو" إلهُ الشّمس. أختها "أرشكيجال" إلهةُ العالم السّفليّ. هي عشتروتُ الفينيقيّين وأفروديت الإغريق وفينوس الرّومان. نستعملُها هنا باعتبارِها صفةً لا علَما.
(4) هذا اقتباسٌ مِن قصيدةِ الشّاعر التّونسيّ أبي القاسم الشّابّي [1909-1934] "فلسفةُ الثّعبانِ المقدَّس". وفيها يقولُ: «لاَ رَأْيَ لِلْحَقِّ الضَّعِيفِ وَلاَ صَدًى .. الرَّأْيُ رَأْيُ القَاهِرِ الغَلاَّبِ».
(5) سُـمِّيت هذه المدينةُ الفلسطينيّة "غزّةَ هاشم" لأنّها تحتضن قبرَ "هاشمٍ بن عبد مناف" جدِّ نبيّ المسلمين محمّدٍ بنِ عبد الله بنِ عبد المطّلب عليه السّلام. الأصلُ أن يكونَ جمعُ "هاشم" إِمّا "بنِي هاشم" أو "الهاشِـميّين". لكنْ لِلضّرورةِ الشّعريّة اِخترنا هذا الجمعَ غيرَ الفصيح.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى