مذهبي في الشعر
دَعْ عَنْكَ أَشْعَارَ الغُموضِ الهَازِلِ
فَهِيَ الَّتِي فِي القَدْرِ مِثْلُ الخَرْدَلِ
إِيهَامُ أَلْفَاظٍ تَنَاهَتْ فِي الخَفَا
تَهْوِي بِهَا فِي قَعْرِ أَجْوَفَ سَافِلِ
مَا الشِّعْرُ عِنْدِي زُخْرُفًا مِن بَاطِلٍ
أَوْ نَسْجَ أَلْغَازِ الفُؤادِ الذَّاهِلِ
جَعَلُوهُ مِنْ تَأْوِيلِهِمْ فِي ذُرْوَةٍ
وَهُوَ التُّرَابُ إِذَا غَدَا كالجَنْدَلِ
فِإذَا الطَّعَامُ المُسْتَسَاغُ تَلُوكُهُ
طِينًا تَمَازَجَ بالأُجَاجِ الحَنْظَلِ
مَا مَذْهَبِي فِي الشِّعْرِ إِلا مَسْلَكٌ
يَذَرُ العُقُولَ عَلَى يَقِينٍ كَامِل
لا خيْرَ فِي شِعْرٍ تَضِلُّ بِهِ الحِجَا
إِنْ جِئْتَهُ مُتَهَلِّلاً لَمْ يُقْبِلِ
الشِّعْرُ لَحْنٌ نَابِعٌ مِنْ رِقَّةٍ
يَهَبُ الحَيَاةَ لِمَنْ تَرَدَّى مِنْ عَلِ
الشِّعْرُ سَيْفٌ ذَائِدٌ عَنْ حُجَّةٍ
لا يَسْتَقِيمُ بِكَفِّ أَنْوَكَ أَهْبَلِ
الشِّعْرُ حَرْفٌ تَسْتَضِيءُ بِهُ الدُّنَا
لِيُبَدِّدَ الظُّلُماتِ كَالنُّورِ الجَلِي
الشِّعْرُ مَاءُ الكَوْنِ إِنْ عَطِشَ الوَرَى
هَلْ يَسْتَوِي زَهْرُ الحَيَاةِ بِقَاحِلِ؟
الشِّعْرُ خَطٌّ لَاحِبٌ فِي عَتْمَةٍ
لَا يَسْتَوِي النُّهْجُ القَوِيمُ بِمُوحِلِ
الشِّعْرُ نَفْسٌ قَدْ تَضَوَّعَ مِسْكُهَا
فَإِذَا بِأَحْرُفِهَا كَصَوْتِ البُلْبُلِ
لا تَأْتِيَنَّ القَوْلَ مَا لَمْ تَنْتَخِبْ
دُرَرَ المَعَانِي فِي النَّسِيجِ الأَفْضَلِ
فَالشِّعْرُ لَيْسَ بِزِينَةٍ يَحْلُو بِهَا
سَقْطُ المَقاَلِ مِن السَّخِيفِ الأَرْذَلِ
مَا أَصْغَرَ التَّغْرِيرَ فِي تَمْرِيرِهِ
لَا تَسْتَوِي رَيْحَانَةٌ بِسَفَرْجَلِ
فَمَحَجَّةٌ تَنْفِي خبائث غَفْوَةٍ
أو جَفْوَةٍ أو شُبْهةٍ قد تَنْطِلِي
خَيْرٌ مِن القَوْلِ السَّحِيقِ كَأَنَّهُ
كُثْبَانُ رَمْلٍ جَائِعٍ ومُضَلِّلِ
لَا يَخْلُدُ الأَدَبُ الرَّفِيعُ بُدُرِّهِ
حتَّى يُنضَّدَ كالبِنَاءِ الأَكْمَلِ