السبت ٢٦ تموز (يوليو) ٢٠٢٥
بقلم علي الدكروري

لهفة قديمة

حين قلبت السيدة السمراء الفنجان الأول.. ورفعته بعد قليل إلي عينيها.. ضحكت وقالت واحد يكفي فظلت الجميلة تشرب قهوتها بهدوء وهو يراقبها مرة وينظر للقارئة مرة.. الطريق كان مريحا والمواكب كانت تليق بأميرة والقصر كان كأنه قطعة من الأحلام.

لذا كان من الطبيعي أن يصير المتن سببا للشجار اليومي والتهديد بمغادرة البيت.. هي جاءت وهويحملها علي ذراعيه ويطوف بها المنزل وهو أحب ابتسامتها التي وعدت أن تجعل منها حديقة في مدخل البيت.. والبيت كان يرتدي الأناقة ويقف كل لحظة أمام المرايا ليتاكد أنه علي مايرام.. والقصة لاذنب لها فهي تبدأ بفكرة وربما تبدأ بنظرة ولاعلاقة لها بكل تلك الصفحات التي يجعلها المحبون كتابا.. ربما لا يفتحه أحد.

كتم أنفاسه وهو يتسلل خارجا وترك الباب حتي لايحدث جلبة.

سوف تكون محظوظا لو هبطت في مكان ماللمرة الأولي.. غريبا تماما.... سوف تتذوق همة النادل وهو يمر بجوارك.. وتقبل كوب الشاي كحبيبة عادت بعد غياب طويل.. وهل هناك أجمل من المقهي لتضحك ولايجيبك أحد.. وتبكي ولا يسألك أحد.. أجمل ماهنا أنك وحيد تماما ومزدحم تماما.. وبعيد جدا ومتاح جدا.. تري كل الناس ولا تري أحد ويراك كل الناس ولا يراك أحد.. يذكرني المقهي بالمنامات التي لاتمسك منها بشئ ولاتفهم الأحداث جيدا.. سوف تدنو بشغف للسيدة التي تجلس قبالتك وهي تمص الشيشة في كبرياء.. ستتخيلها وهي في أحضانك ولن تحكي لها كعادتك عن الصيف وأنك لاتحبه لأنه لايسمح للسماء بالفضفضة.

أما البنت المغرية التي أزهر البرتقال علي صدرها فسوف تحدثها عن الفقراء الذين ينتظرون القصيدة التي لم تولد بعد. وعن الجنة التي سقطت من كتاب قديم في أحضان ساحرة.. وعن الساحرة التي لم تخبرها أنك تحبها حتي لا ترتبك الحدائق.. انت حر تماما.. كل الحجرات جاهزة.. والمقاعد الخالية بجوارك تجعلك تختار بعناية ودون أن تورطك المشاعر في قروض ربوية ولن يسعفك الوقت ولا الماء.

ربما هي دقائق قبل أن ينسكب الشاي في الورود.. وتغيب المرأة التي كانت معك لأنك لم تحادثها .. بينما تمل البنت من الحكايا ... كل هذا لن ينجيك من لهفة قديمةولن يدخلك في صباح جديد .سوف يرعد قلبك.. بينما ينهمر وجهها بشدة.. قلت لك لا تعرف أحدا قبل ان تجهز له غرفة فوق ظهرك.. الوجع ليس ممن نحبهم يا غريب.. الوجع مما يتركه الذين نحبهم.. والذين ماتوا لن يدخلوا مكانا ابدا للمرة الأولي.

سحب نفسا من الهواء وأحس انه خرج من باطن الأرض بمعجزة .. نسي مع أصدقاءه كل ماحدث من شجار لكن قلبه كان يرتجف ..المسألة ليست في القط الذي قفز من النافذة فكسر الأطباق الغالية الثمن ولكن المشكلة أن النافذة صارت متاحة. لأنها كلما غضبت تهبط قليلا وتتسع الأبواب.. مواسم الرياح لاترحم العرايا ولاأحد يمكنه أن يغلق الباب ليقاتل قطة.. لذا حين يعود للبيت سيكتب لها رسالة لن يقول فيها مازلت أحبك ولا سيذكرها بالحب سيكتب مثلا أنا حزين لأن الشجرة التي أمام البيت تسير وهي نائمة. وأن القطار الذي كان يمر كل حين.. لم يعد يغادر المقهي.

وأن السرد من حق الجميع و المجتمع كله يمكن أن يكون واهما ..لن ألومك علي شئ .. فقط سأذكر السطور الأولي لأنها لم يكتبها أحد لا أعرف هل هناك مايستحق أن تذكريني به أم لا ..لكني أذكر اني ظللت لعشرين عاما أفصص لك السمك كلما تناولنا الطعام و أنك ظللت لنفس الفترة لاتعرفين كيف تفعلها أوردتي .. وكيف لاتنام كل تلك السنوات من أجلك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى