السبت ١٩ تموز (يوليو) ٢٠٢٥
بقلم روز اليوسف شعبان

«غيبوبة افتراضية» لحنان جبيلي عابد

صرخة ضدّ التمييز في المجموعة القصصيّة

غيبوبة افتراضيّة مجموعة قصصيّة للكاتبة د. حنان جبيلي عابد، الصادرة عن دار سهيل عيساوي (2021) بدعم من صندوق يهوشوع رابينوفيتش تل أبيب، تدقيق لغوي د. صالح عبود، تنسيق آلاء مارتيني.

تطرح الكاتبة في مجموعتها القصصيّة، مواضيع واقعيّة، اجتماعيّة، عاطفيّة وإنسانيّة. يظهر في بعضها معاناة المرأة من التمييز في الميراث كما ظهر في قصّة "صدمة شعوريّة" ص 145، ومن الخيانة الزوجيّة من قبل الزوج، وما يتبع ذلك من إذلال للمرأة، وقد ظهرت هذه المواضيع في قصّة" دنجوان زمانه" (ص 109)، وقصّة "غرام من نوع آخر" (ص 62)، والتي فيها تمّ تزويج فتاة قبل ميلادها الثالث عشر، من رجل أعمال ثريّ ماجن قام بإهانتها وضربها وممارسة الجنس مع عشيقاته في بيتهما وعلى سريرهما.

في بعض القصص يظهر وفاء المرأة لزوجها وإخلاصها له حتّى في فترة مرضه، وشلله وعجزه، أو غيبوبته التامّة، ظهر ذلك في قصّة على "هامش القلب" (ص 45)، وقصة "هو يستحقّ" (ص 73)، ولعلّ الكاتبة تريد أن تثبت بذلك، أنّ المرأة مخلوق عاطفيّ، صادق في مشاعره، وفيّ للحبيب. في هاتين القصّتين أظهرت الكاتبة نموذجًا جميلًا للزوج، الذي يحبّ زوجته ويخلص لها، وهي تبادله في المقابل نفس المشاعر من الحبّ والوفاء. كما ظهر وفاء الرجل وكرم أخلاقه ومبادئه الرفيعة في قصّة " حقّ موارب" حيث يكتشف الزوج خيانة زوجته له، فيطلّقها دون أن يكشف سبب الطلّاق حتّى لا يمسّ بأولاده، فيتزوّج بامرأة أخرى، تحبّه وتصونه، وبالمقابل تقوم طليقته، بتحريض أهل طليقها على زوجته الجديدة، وتدّعي أنّها خطفت زوجها منها، وبدلّا من مواجهة طليقته وتفنيد ادّعاءاتها، يقرّر الزوج أخذ زوجته والانتقال للعيش معها في بلدة بعيدة. يقول بطل هذه القصة:" الهروب ليس دائما هو موقف ضعف، ولن أتنازل عن حماية كرامة أطفالي، رغم أنّ نظراتي الحارقة كانت تصطاد نظرات زوجتي السابقة، وفي قرارة نفسها تعلم أيّ قيم ومبادئ جعلتني أتستّر على فعلتها وخيانتها".(ص 144).

في قصّة " ام الذهب" تسلّط الكاتبة حنان الضوء على حبّ بعض النساء للذهب، واقتنائه كمصدر لحمايتها عند العوز والحاجة. وهي توجّه انتقادًا مبطّنًا للنساء الّلواتي يحرمن أنفسهنّ من متع الحياة من أجل اقتناء الذهب والتباهي به أمام الناس. ام كريم المهووسة بالذهب، تشتري من عند الصائغ (أبو كريم)، وفي زفاف ابنها كريم لبست أمّ مبارك معظم ما تملك:" تمّ زفاف مبارك على خير، تباهت أمّ مبارك بموروثها وثروتها في يديها وصدرها المزيّن بالقلائد، حتّى خصرها كان مزيّنًا بحزام كانت قد أحاطته بليرات ذهبيّة، لقد حرمت نفسها من السفر وجميع متع الحياة، من أجل ادّخار نقودها لشراء الحُليّ الذهبيّة، فضّلت الغوص بادّخار المصاغ كثروة تملكها"(ص 135). لكن بعد يومين من زواج ابنها تكتشف أمّ مبارك أن جميع مصاغها قد سرق، ويتبيّن أنّ من سرقه كريم ابن الصائغ، بعد أن انزلق إلى عالم المخدّرات، "فأصيبت ام مبارك بانهيار عصبيّ أفقدها الإحساس بالمكان والزمان"(ص 137).

أمّا في قصّة "رصاصة في الصميم" (ص 102)، فتظهر لنا الكاتبة نموذجًا للرجل المجرم الذي يقتل زوجته وابنهما؛ لأنّ زوجته أرادت الطلاق منه والارتباط برجل آخر.

في قصّة "امرأة ومرآة " (ص 36)، تظهر الكاتبة ظلم المجتمع للمرأة، وهي تبيّن ذلك من خلال زوجة انتحر زوجها، فاتّهمتها أسرة زوجها بأنّها هي من قتلته، لكنّ الزوجة تصمد وتكافح وتعمل بكل ما أوتيت من قوّة وصلابة من أجل إعالة أولادها. لقد ظهر هذا النموذج من المرأة المناضلة أيضًا في قصّة" صدمة شعوريّة"، في هذه القصّة توفي الزوج في شبابه وكان على الزوجة ‘إعالة أولادها الستة، اضطرت إلى بيع مصاغها، وأقراطها الذهبيّة، وبدأت تعمل في إعداد المناقيش وبيعها في مخبز جارهم (أبو علاء)، ثمّ تطوّر عملها، حتّى أصبح لديها مخبزا، ثمّ أنشأت مصنعا للمعجّنات البيتيّة، ساعدها في ذلك أولادها، لكنّ ابنتها الكبرى براء كانت ساعدها الأيمن وأسمت أمّها المخبز باسمها" مخبز البراء" بعد أن تزوّج الأبناء بقيت براء دون زواج تساعد والدتها، لكنّ المفارقة كانت حين تركت الأمّ وصيّة توصي بأملاكها لأولادها الذكور دون البنات، أمّا البيت الذي تسكنه فسيعود للأبناء بعد وفاة براء.

في قصّة "هو يستحقّ"، نجد نموذجًا مثاليًّا للأب الذي لم يغادر أرضه، رغم كل الضغوطات التي مورست عليه، فبقي في بلدته المهجّرة، في أرض خالية من البشر مليئة بالبيوت المهدّمة التي محيت ملامحها فيما بعد(ص 75).

في قصّة "غيبوبة افتراضيّة" (ص 26)، والتي تحمل هذه المجموعة اسمها، تُظهر لنا الكاتبة نموذجًا من المرأة المعتدّة بنفسها والتي ترفض المفاهيم والأفكار المسبقة عن الزوج والزوجة، فحين تقول لها جدّتها زوجك تاج راسك، تردّ عليها بل أنا تاج راسه، وفي ذلك تمرّد على أفضليّة الرجل على المرأة، ظهر ذلك أيضا من خلال ما قامت به المرأة من تطليق زوجها بقولها له:" طالق، طالق، طالق، وفي ذلك احتجاج آخر على هيمنة الرجل على المرأة، تقول بطلة هذه القصة:" قطعوا كلامي مرارًا ولم تهزم عزيمتي، ولم تكسر إرادتي، التغيير دائما كان حاضرًا في حياتي، واليوم بالذات بدأت بداية جديدة للتخلّص من زوجي الذي انفصلت عنه قبل خمس سنوات، لأولادي الذين قضيت عمري وأفنيت شبابي في رعايتهم، لأهلي الذين قدّسوا الأبناء عن البنات، لكلّ ما لم يكن يشبهني..." ص 33.

من خلال هذا الاستعراض الموجز لمعظم قصص المجموعة، نجد تنوّعا في الشخصيّات، منها الإنسانيّة، المثاليّةـ المخلصّة الوفيّة، المناضلة والمكافحة، ومنها الشخصيّة السلطويّة الذكوريّة، الخائنة التي تمارس العنف ضدّ المرأة وتقوم بإذلالها.
كتبت القصص بلغة جميلة سليمة، تخلّلتها حوارات داخليّة وحوارات خارجيّة، وقد جاءت بعض الحوارات الخارجيّة باللغة المحكيّة لتكسب القصّة واقعيّة، كما في المثال التالي ص 92:" يعطيك العافية يا إمّي، خلّصتِ شغل؟

 بعد ساعة سأعود للمنزل. وليد يا إمّي حاول تتذكّر إذا في بعد أشياء إله في البيت نتخلّص منها الله يريّحنا منه.

 يا إمّي ما خلّيت إشي حتّى ملابسي الّي كان يلبسها حرقتها".

كما ظهرت الكثير من الجمل الشاعريّة مثل:" تلك النوافذ المزركشة بقطرات الماء، لها القدرة على مسح الغبار المتراكم من بقايا الحنين، لإحياء الأمل الغارق في التردّد" ص 74.

المجموعة القصصيّة غيبوبة افتراضيّة، هي قصص من واقع الحياة، تحمل في طيّاتها صرخة ضدّ الظلم، التمييز، والسلطة الذكوريّة المستبدّة بالمرأة. وتظهر نماذج عديدة لشخصيّات ذكوريّة ونسائيّة تحمل قيمًا سامية، ونماذج لشخصيّات منحلّة أخلاقيًّا. هي بمجملها قصص تحمل وجع الأنثى ومعاناتها وكفاحها من أجل العيش بكرامة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى