غزة وتراتيل الرّماد
«مشهد شعري أدائي – مونودراما متعددة الأصوات»
«إضاءة خافتة – صوت رياح بعيدة – طبول خفيفة كنبض قلب»
الصوت الأول (الأرض): بصوت عميق، بطيء
أنا التراب الذي يتقلّب في نومه كلَ ليلة،
يحلم أن تعود أقدامكم إلى الرقص فوقه،
لا إلى الركض في دهاليز الخوف.
أخبّئ بذوركم في صدري،
أغطيها بالدمع وأهمس لها أن تنبت
حين يفتح الليل يده ويعيد لنا الفجر.
همسة متكررة من الخلفية: اصغوا للصمت... اصغوا للصمت...
الصوت الثاني (الطبيعة) :بصوت متكسّر كصوت ريح
تتهاوى أغصاني كأجفان مثقلة بالرّماد،
وأعدّ أوراقي كأمّ تحصي أطفالها المفقودين.
البحر يصير مرآة سوداء،
يبتلع الأسماء كتعويذاتٍ غامضة،
ويعيدها إليّ في المدّ قواقع دامية.
كل موجة وجهٌ، كل وجهٍ صرخة،
الريح تصرخ وصوتها يتحوّل إلى طين،
حين يصل إلى آذان البشر
وتسقط الطيور كالزجاج المكسور.
(إيقاع خفيف كصوت شظايا تتناثر): الرّماد يتنفس.
الصوت الثالث (الأم) – بصوت متعب، مشروخ:
في صدري ظلّ طفلٍ ما زال يلعب،
أمدّ يدي فلا أجد سوى غبارٍ دافئ،
أرسمُه على الجدار،
كلّما هدموا الجدار، عاد الرسمُ أشدّ وضوحًا.
أخبّئ صوته في صدفةٍ صغيرة،
أحملها إلى أذني فأسمع ضحكته
تختلط بصوت الموج والأنين.
في صدري ظلّ طفل،
يمد يده إلى ضوء لا يراه أحد.
أبحث في التراب، عن أشلاء
كمن يبحث عن نبض الأرض.
أصلّي للغيم، للريح، لأيّ شيءٍ يجيب.
يردّ عليّ الحصى،
يخبرني أنّ الطفل صار بذرة،
وأنّ الربيع سيعيده إليّ
على شكل شجرة ظلّها رحمة.
تهدي العابرين إلى بيتها المفقود.
(صوت بكاء مكتوم في الخلف): أصغوا للصمت.
الصوت الرابع (الرؤيا): بصوت متألم بعيد:
السماء تتدلّى كقنديلٍ مكسور،
تتأرجح فوق المدينة وتسكب ضوءها الأخير.
الليل يبتلع الحكايات واحدةً واحدة،
ويعيدها إليّ أشباحًا من دخان.
حتى القمرُ صار شاحبًا،
يختبئ خلف الغيوم كطفل مذعور.
(صوت أنفاس لاهثة) الرّماد يتنفس.
الصوت الخامس (الطفل): بصوت رقيق، خافت أولاً ثم يزداد وضوحاً:
أنا الطفل الذي لم يكبر،
أعدّ الشظايا كما كنت أعدّ النجوم،
وأبحث عن كوكب أستطيع النوم فيه.
كلُّ حجر يسقط يصبح كوكبًا،
كل كوكب يشتعل يصبح شاهدة قبر،
لكنّي ما زلت ألمع... كي تعرفوا أنني لم أغادر بعد.
(إيقاع ناعم على الطبول): الرّماد يتنفس.
الصوت السادس (الرؤيا من جديد) – بنغمة احتفالية هادئة:
ها أنا أرى شجرةً تنبت من الركام،
طيورها من زجاج، وعلى كلّ طائر اسم شهيد.
كلّما مرّت ريح رنّت الأسماء كجرس بعيد.
وأرى أبوابًا من الضوء
تُفتح فجأة في منتصف السماء،
ويخرج منها الأطفال،
يمشون على الماء بأقدام من نجوم،
يضحكون،
فتضيء المدينة كأنها تعود من الموت.
(لحظة صمت صوت أجراس ناعمة– ضوء خفيف يلمع): الليل يفتح جرحه.
الصوت السابع (الضمير الإنساني) – بصوت قوي، كأنه يوقظ النائمين:
تأخرتُ، نعم...
لكنني أسمع الآن طقطقة العظام تحت قدمي.
أرى وجوهكم محفورة على الجدران،
وأبواب الضوء تدعوني للعبور.
إن لم تبكوا الآن، ستعمى مراياكم،
وسيُغلق الفجر أبوابه دونكم إلى الأبد.
انشروا أشرعة المراكب كصلاة في الهواء،
امخروا كلّ البحار العصيّة،
واتركوا قلوبكم مفتوحة كأبواب الضوء.
ضربات طبول قوية، صوت سفن تعبر البحر ثم سكون وجيز ثم يتعالى الصوت: أصغوا لغزة، أصغوا لغزة، أصغوا لغزة
الجوقة (جميع الأصوات معًا – بهمس متصاعد):
هناك ربيع يتخفّى في الأفق،
يجمع الضوء من شظايا الشمس،
وينسج به ثوبًا للأرض.
حين يأتي،
سيفتح في كل مقبرة نافذة،
يزرع مكان كل قذيفة حقل ضوء،
ويعيد للطيور أسماءها،
ويجعل الأطفال يمشون على الماء دون خوف.
(تصاعدٌ في الإضاءة تدريجياً حتى بياض كامل)
الرّماد يتنفس... الليل يفتح جرحه... اصغوا للصمت... أصغوا لغزة أصغوا لغزة أصغوا لغزة
إظلام كامل – صمت طويل – موسيقى خفيفة بعيدة كصوت الفجر ثم إضاءة قوية كضوء النهار
النهاية
