(شِلَّة هَلَوْ) بطابع سياسي في موسمها الثاني
في مطلع تسعينيات القرن الماضي ظهرت مجموعة شبان مراهقين في المنطقة الغربية، يحاولون أن يطبعوا لأنفسهم طابعًا خاصًا لترهيب المجتمع، ولم تكن فكرة ظهورهم ممنهجة بل هي عفوية اعتمدت على قدراتهم الشخصية الضعيفة، وتأثيرهم على بعضهم البعض؛ فما لبثوا أن رفضهم المجتمع وحجّم وجهاء المنطقة من دورهم فارتدوا على أدبارهم ولبثوا في قمقمهم دون حراك.
كانت كلمة الترحيب لأفراد الشلة (هَلو)، وهي كلمة غريبة في مجتمع محافظ اعتاد على إلقاء التحية وفق الأعراف القروية المستنبطة تاريخيًا من مفاهيم القبيلة وأسس الدين، أما أن يرحب الفرد بصاحبه مستخدمًا كلمة (هلو)؛ فتلك هوية مبتدعة تميزهم عمن سواهم، ومنها أخِذَ الاسم وأطلق على المجموعة (شلة هلو).
يتجمع أفراد الشلة عند (الشوكة)، وهي شجرة برية شوكية كبيرة نبتت في نقطة التقاء أبرز خمس طرق في المنطقة، وطالما تخيّل أعضاء الشلة حين يقفون تحت ظلال الشوكة أنهم في مركز نجمة أشبه بتلك التي في هضبة (شايو) بـ(باريس) إذ تحتضن (قوس النصر)، لتنطلق منها خمس جادات عظيمة.
قامت (شلة هلو) بأفعال منافية للأعراف؛ كتخريب ممتلكات البسطاء، قذف المحصنات، سرقة الدجاج والخراف كحد أقصى وبث الدعاية المغرضة، وأخذت الشلة تكبر ويتسع مجال عملها، لاسيّما وأن نشأتها صادفت توترات أمنية وسياسية عمّت البلاد بعد أحداث (غزو الكويت)، فكان للانفلات الأمني دور كبير في ترعرع الشلة التي ضمت عددًا من الشباب المراهقين والصبية، بيد أن المجتمع ظل رافضًا لهم منذ نشأتهم؛ حتى تدخل كبار القوم وأمروا بالقضاء على هذه المجموعة الدخيلة وتفكيك عناصرها.
اليوم، وبعد مضي أكثر من ثلاثة عقود، يصدر الموسم الثاني من (شلة هلو)، إذ ظهرت من جديد على الساحة السياسية مجموعة من المراهقين السياسيين تحت مسمى (المجلس السياسي الوطني) بزعامة من أطلقوا على أنفسهم (قادة الأحزاب السنية)، برغم أن هؤلاء القادة لم يتفقوا قبل أسابيع في فترة الانتخابات النيابية، فنَعَتَ بعضهم الآخر بكلمات وتشبيهات مشينة لا تليق بأطفال متخاصمين، وتهجّم بعضهم الآخر على أصحابه بملفات فساد مالي وإداري وأخلاقي جمعها له خلال الفترة الماضية وأبرزها خلال الانتخابات، لكنه اليوم رزمها في الدُرج بعد أن انضوى هو والأصحاب تحت لواء شلة هلو. فنراهم اليوم مصطفين دون مراعاة لتنسيق القامات الذي يعتبر من الأسس المبدئية لالتقاط الصور، وهم يقفون معلنين عن تشكيل مجلس الشلة.
حمل المشهد الكثير من التوتر والقلق على ملامح الوجوه، في محاولة للسيطرة على الوضع والتشدد لرفع الاستحقاق في الحصول على مقاعد نيابية في مجلس النواب، لغرض التوسع في السلطة؛ وليس من أجل تمثيل المكون السني.
إن محاولات تشكيل القوة دليل على ضعف القوة الفردية وتراجع الشعبية والتخبط في العملية السياسية، وتشكيل المجلس المنوّه عنه لا يُعدُّ نجاحًا في ترميم العلاقات بين زعماء السنة داخل مجلس الشلة بل هو محاولة للم الشمل الممزق لا أكثر، أما ما يخص العلاقات الخارجية للمجلس مع زعماء الشيعة وقادة الأحزاب الكوردية فسيكون الأمر أصعب في الحفاظ على تماسك المجلس من دون اعتراض او خلافات داخلية، في حين أن الاجتماعات التي تم التخطيط لها ليست سوى لقاءات لحل النزاعات في داخل المجلس؛ من أجل بعض الاستحقاقات التي يتنافس عليها رموز الشلة.
سيبقى كرسي رئاسة البرلمان والجمهورية هدف بعيد المنال لقائد حزب تقدم، مع انخفاض شعبيته والتراجع الكبير في نجاحه لتكوين كتلة سنية - شيعية، أو سنية - كوردية. فالشيعة لن يتساهلوا معه على الإطلاق في مسعاه للحصول على منصب رئاسة الجمهورية، لأنهم لا يريدون فتح باب مغلق بإحكام، إذ سيؤدي تساهلهم إلى مطالب السنة أو الكرد بمنصب رئاسة الوزراء الذي بات عُرفًا للشيعة منذ تأسيس العملية السياسية، كما أمسى منصب رئاسة الجمهورية عرفًا للكورد. وبالرغم من أن منصب رئيس الجمهورية يُعد شرفيًا، إلا أن له دورًا مهمًا في العملية السياسية؛ لاسيما فيما يتعلق بمهام التكليف بتشكيل الحكومة والمصادقة على القوانين والمعاهدات.
حين نظرت إلى الصورة التي جمعت قادة (شلة هلو) بموسمها الثاني، تذكرتُ طريفة من الطرائف التي رافقت الموسم الأول قبل ثلاث وثلاثين سنة، حيث انبرى صبي صغير حينها ليكون ضمن مجموعة الصدارة التي تدير أعمال الشلة، فقال له الزعيم: "بعدك ازغيّر"، فانتفض الصبي بعنفوان وانتفخ منخراه وهو يصيح: "آني زلمة مو ازعيّر"، ولا يزال الرجل حتى يومنا هذا يسمى في الخفاء (ازعيّر)، تهكمًا بموقفه أمام الزعيم. أما عملية تفكيك (شلة هلو) بموسمها الثاني فلا تحتاج الى تدخل كبار القوم والوجهاء للقضاء عليها، فقد قضي أمرها واستؤصلت شأفتها وهي في مهدها.

