دم في العيد
المشهد:
في ليلة عيد الميلاد الشرقي في السادس من يناير 2010 اطلقت مجموعة من المسلحين النار علي جموع الخارجين من كنيسة في بلدة نجع حمادي بصعيد مصر فقتلوا ستة من المسيحيين ورجل أمن مسلم وجرحوا عشرات آخرين.
علي مدي ثلث قرن أو يزيد وقعت عشرات من حوادث العنف المماثلة إذ تضافر الجهل والفقر والفساد والتطرف لإذكاء فتنة طائفية مظلمة بين الأقباط والمسلمين في مصر بعد تعايش دام 14 قرناً - فماذا عسي أن يقول الشعر وقد خضبه الحزن علي وطن كان، وكنانة ستكون دائماً!
وهل يمكن أن يكون ذلك بعيداً عما جري للمسيحيين في العراق علي يد اخوتهم في الوطن- وما جري للسنة والشيعة ضد بعضهم - وما جري ويجري في فلسطين - كل متوهماً أنه يتقرب للرب بالدم -في عنف دموي مدمر للجميع؟
هل يمكن أن يكون هذا الشعر إلا نزفاً علي كل ضحايا المذابح التي يرتكبها بشر ضد بشر لمجرد إختلاف الدين أو المذهب أو الجنس أو الهوية؟
دم في العيدمنحدرليروي وردك المطروح في الطرقاتوفؤوس قطاع السبيليا مصر هل عطش النخيلفسقيته من قلبك المذبوح في الغيمات؟يا مصر من أي الجهاتتعدو أساطير تطاردنيوتطعننيفأنزف ما تيسر من مواويلوأجمع ما تبعثر من حكايات؟دم: هل سال من أكباد أولادوقفوا أمام كنيسة في العيدوتبادلوا التقبيلفتساقطوا جثثاً علي العتبات؟يا مصر كم يكفيك من هذي القرابينكي يتقدس القدوسوتمتلئ الساحات؟دم : هل سال من جسد العروستزف دون عريسها؟فبأي دميقطر المنديل؟هل هذه في الليل زغردة البناتأم ولولات أراملأجسادهن تشققتيطلقن أفراخ العويل؟دم: هل سال من جنبيك يا مصر للنيل؟أم من ذبيح سابح فوق الفرات؟أم من جريح في الجليلما أسعفته المعجزات؟* * *دم الصلوات نهر في الأعاليوعلي الأرض المذابحوالمدائحمن أي أبواب الجحيمتعود يائسةصلوات هذا الجيل؟تهوي علي أفواههم مرتدةجمراً يسيلعادت محملةً بصراخ من سقطواعلي أيدي الذين توضأوا بالدمصلوا لمن؟أفيسمع الله الرحيم لهم؟وعلي سواعدهمحملوا القتيل على القتيل؟ذبحوا الحمامفلا رسائل من ذويهم كي تعاتبهمولا في وحشة الليليهدهدهم هديلصلوا لمن؟ردت بضاعتهم لهمما أبهظ الثمن الذي دفعوهمن أرواحهمسقطت محبتهمفماذا في أياديهم لديهم من بديل؟غير الغصونأفيغرسون الغصن سيفاًفي بريء الروحكي يشفوا الغليل؟فبأي قلب يمزجونشهقات حفل القتلبالترتيل!* * *ليل من الأهوال مكتوب بأيديهمعلي أوجه من فروا إلي قصب القريواسترحموا بدراً تأمل ذعرهمنظروه مصلوباً علي سعف النخيلدم الأياتمسكوب علي السمواتيصبغها ويقطر من يديأمن سور من القرأنهذا النزف في جسديأم الانجيل؟وبأي كف أمسح الصرخاتعن روح مرفرفةصعدت لباريها لتشكوما أتاه شقيقها قابيلأأكفكف الدمعاتعن أشجار هذي الأرضأم أحجارها؟وبأي منديلسأجفف الألام عن أثمال من رقدواوأجمل الأيام في عين مزججةراحت تحدق في أحداق قاتلها:ماذا بهذا البئرمن ماء الأسيوالمستحيل!* * *من أي عهد في القرييتدفق النيل؟فاضت دمائي من سواقيه التيتنعي الذين أحبهمما با لهم ما بادلونيغير حبهم القليلأو كفكفوا هذي المدامعما با لهم ضربوا عصافير المياهبحجارة من روحهموبنوا جدارا هائلافمسافة بين الكنائس والجوامعومسافة بيني و بين الله!* * *من أي قلب أخرج الجثث التيعكفت طوال الليلتستعصي علي جسديولا تبغي الرحيل- هل جعت يا ولدي؟أتحب لحم أخيك ميتاً؟أعطشت يا ولدي؟لولا جفاف العينكنت ذرفت الدمع تشربهماذا ستشرب بعد هذا اليومغير دم الأصيل!أسقطت يا ولدي؟في أرض مصرفأغمضت عينيك إيزيسوسقتك من نهد السماء السلسبيل؟هل استشهدت مجاناً ؟وتبددت قرباناً؟وتمددت عرياناً بغير كفيل؟وأنا وقفت هناكبين القاتل المقتولوالجسد النحيلووقفت بين قتيلهم وقتيلنافمن أمد له يدي؟!ولا يقوم - فمالذي يجدي!وبمن ألوذ؟ وتحت أي سحابةأبكي وأستجدي!وبمن أعوذوقد هوي ولدي علي ولديبغليل فأس مزقت كبدي!* * *هل أغلق الله الجميل سماءهعن قبح هذي الأرض؟كيف أخر بين يديك أركعكي أصلي!وأين أفر من أهلي؟ولمن سأشكو حال هذا الجيل؟كلهم موتاي من زمن طويلجاءت خيول الموت تطلبهم وتطلبنيفيختلط الصهيل مع الصهيلومشيت من موت إلي موتمن ضفة النهر إلي الواديهل هذه مصر التي في خاطري؟والنهر؟ هل هذا هو النيل؟هل هذه حقاً بلادي؟أسمع الأرض تئنهذا نزيف دم الوطنودبيب أقدام الضحاياجرجروا الأجساد من جيل لجيلهذي البلاد حملت من ماتوا لهاوحملت من ماتوا بهاوضربت في الليل الطويل بلا دليلهذي البلاد تظل عاشقةوأنا أظل عشيقهاوتظل قاتلةًوتظل مائلةًعلي جسديوأنا القتيل.