السبت ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠١٣
بقلم عثمان آيت مهدي

درس في الارتجالية

اجتمع في قاعة لا تسع الحضور جميعا كلّ من الأمين العام والمديرين المركزيين، ومدير ديوان إحدى المؤسسات العلمية ونائبه، إلى جانب سادة وسيدات المواد التعليمية تفتيشا وتدريسا.

بدأ الأمين العام كلمته بلغة رسمية محاذية للغة الركاكة. بعد الترحيب بالجميع جملة وتفصيلا، وقعت ثروته اللغوية الضعيفة في مأزق التعبير الواضح والجميل، الكلمات تخونه، بل وتحول دون إيصال الفكرة سليمة للحاضرين الذين ملأوا القاعة جلوسا ووقوفا. فاضطر ألا يجد لنفسه حرجا على الاسترسال بلغة يتقنها هو وحاشيته، وإن كانت غير رسمية، ولا يهم من يجد صعوبة في فهم هذه اللغة الأجنبية عنه، طالما أنّ السيد الأمين العام يخاطب الجميع بلغة دون أخطاء ولا تأويلات.

كان الموضوع الأساسي لهذا الاجتماع، تقديم بعض الدروس لأقسام الامتحانات على التلفزيون، على أن تكون في أقصر وقت ممكن، وليكن ذلك بمناسبة يوم العلم. سكت الجميع، لأن المناقشة العقيمة أمام حضرة الأمين العام مكلفة وغالية الثمن. فالسكوت في هذه الحالات من الذهب الخالص، وهزّ الجميع رؤوسهم علامة للطاعة والانصياع.

يستأذن الأمين العام بالخروج، لأشغال كثيرة تنتظره، ويستأذن المديرون المركزيون بالخروج هم الآخرون لأشغال تنتظرهم، وأوكلوا مهمة التفاصيل المنجرّة عن الموضوع لأحد المفتشين العامين، وهو عين من عيون الأمين.

بدأ اللغط يسود القاعة، وبدأت الأصوات المرتفعة تتعالى على بعضها البعض، إنّ هذا العمل لا يعدو أن يكون ارتجاليا، لا تخطيط ولا تفكير مسبق قبله. كيف لنا أن نحضر هذه الدروس في هذا الوقت القصير؟ كيف تتم عملية التسجيل في التلفزيون؟ من هم الأساتذة الذين يتكفلون بهذه المهمة؟ ما هو سعر الحصة الواحدة؟ أتسلم نقدا أم هدية؟ من يسجل حصته الأوّل؟ ولماذا اختياره هو الأوّل؟ أسئلة كثيرة بلغت مسامع الموكّل بتسيير الاجتماع، يردّ عليهم بعنجهية: لماذا لم تطرحوا هذه الأسئلة في حضرة الأمين العام؟ أتنقصكم الشجاعة والمواجهة؟ أتخافون على مستقبلكم؟

انفض الاجتماع ولا يدري أحد ما يفعله. يقترب موعد التسجيل شيئا فشيئا، كانت المعلومات تصل شحيحة وغامضة. رغم ذلك يجتهد المجتهدون في مؤسسات متفرقة، ويعملون لعشر ساعات أو أكثر دون توقف ولا ملل رغبة في إرضاء الأمين العام. استولى العياء على الجميع، وبدأت علامات الغضب والقلق تنال منهم، الكلّ يعيش على أعصابه، والكلّ تمنى لو لم يكن ضمن هذا الفريق المكلف بإعداد هذه الدروس في وقت وجيز..

قبل موعد التسجيل بيوم واحد، يستدعي الأمين العام السادة المفتشين المشرفين على العملية، وأخبرهم بأنّ العملية مؤجلة إلى إشعار آخر، وهناك فكرة تراود المسئولين على إطلاق قناة تعليمية تخصص لهذا الشأن، وشكر مسعاهم وعملهم المضني من أجل خدمة البلاد والعباد.

خرج الجميع من القاعة رافعين أيديهم إلى السماء متضرعين الله أن لا يكونوا مرة أخرى ضمن هذا الفريق التربوي المكلف بإنجاز الدروس للتلفزيون.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى