الأحد ٨ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم جنى عزالدين أبو بكر

حييّ الجميل

في زمن تتشابه فيه القصص و الاحداث و بينما أصبحت الحروب تتقاطع في شتّى البلدان و بما ان بلدي الحبيب سوريا مر بحرب و أزمات لأكثر من ثلاثة عشر سنة كما ان اناملي عاجزة عن قول أن واحدة من اجمل بلدان العالم مرت بهذه الظروف و لا تزال تمر بظروف صعبة بلدي الحبيب لو انّي استطيع معانقة ترابك ذرّة ذرّة و تقبيل ارضك الطاهرة فالذي بيني و بينك اكثر و اعظم من ان تُضيعه حروب و أزمات و ان لم يكن لدي وطن ما انتمي اليه فاني كنت سأختار الانتماء لك يا وطني؛حييّ الجميل صورة مصغرة عن وطن بأكمله جريح ينزف و لا احد يبالي به حتى بنظرة شفقة صغيرة ينزف و لا احد يبالي به حتى بنظرة شفقة صغيرة اتجاهه، مدينة حلب القديمة اقدم مدينة في العالم كل شيء فيها جميل مدينتي الحبيبة الظروف كانت قاسية جداً عليكِ كانت ليالي شتائكِ دامية للغاية و صيفكِ نار تلتهم الأخضر واليابس حتى الحجارة و قلوب الناس مُلتهبة كالشمس وسط حلب حييّ الجميل بالقرب من قلعتها الشامخة حييّ الجميل قصتنا التي دارت في ارجائه كاملاً.

 استيقظ أمجد على مزيج من الأصوات فيروز و عدد من القذائف و أصوات أولاده الصّغار وهم يغادرون المنزل للمدرسة

 أمجد : صباح الخير أعزائي الحضور

 مريم:وصباحك عزيزي الوسيم

ليركض كلن من يامن و مها ليقبّلوا خدّا والدهم و يذهبوا و ذهب أمجد للمغسلة ليغسل وجهه و يقبّل مريم كالعادة و إذ بي لا يوجد ماء في الصنبور لينتابه الغضب و يبدأ بالصراخ :لا ماء لا كهرباء لا طعام قذائف و بكلتا يداه يضرب المغسلة لترد عليه مريم و هي مُتكئة على الجدار: هذه هي ضريبة الذي سيبقى ببلده المُدمر ليلتفت إليها و يقول: مريم ارجوك كم تحدثنا بهذا الموضوع و قلنا اننا لن نغادر لترد بإنفعال شديد:انت انت قررت و تحدثت و قلت انك لن تسافر أما انا فلا لم أقرر او اتحدث بل لم تعطيني فرصة لإتحدث حتى و على ملامحها مزيج من الغضب و الحزن و اليأس مما قد يقوله أمجد ليهدّئ أمجد من روعه و يتقدم نحوها و يضع يداه على كتفيها و يقول:بعينين لامعتين كبريق النجوم حبيبتي الوضع سيتحسن و ستعود البلاد كما كانت وافضل إن شاء الله لتقوم بإزالة يداه و تنظر له بشيء ما من الضياع و تذهب لغرفة الجلوس ليلحق بها و يتكئ على الجدار و يبدأ الحديث المُلتهب،

 حبيبتي اعرف انك خائفة ولكن و همهم لا استطيع العيش خارج البلد هذا.

 ولكن انا استطيع من اجل الأولاد من اجلي انا ارجوك هنا لم يعد لدينا وطن ولا حتى فتات خبز لم يعد لدينا شيء.

 تقدم نحوها و جلس على الاريكة و بصمت الشفاه و ضجيج القلوب و العيون تتحدث بكم هائل من التشتت و الضياع و كم كبير من الخوف من كل شيء قادم من غداً من الحرب من الناس من الوطن كم هو صعب ان تخاف من وطنكَ من اهل بلدك كم من الصعب ان تخاف على وطنك و على اهل وطنك ان تكون منفي منه و انت فيه ان تكون غارقاً بحبه و هو غارق بدماء الأبرياء حاملاً أعباء كثيرة تُثقل كاهله و انت تحمل أعباء اسرتك خائفاً عليه من الخوف من الوطن من لياليه الدامية من ان تُغرق عائلتك و انت، مريم تعرفين يا عزيزتي ان كل شيء هنا منذ ان كنا صغار الى ان اصبحنا بهذا العمر تعرفين ان قلبي يحترق على ابنتنا سلوى ولكن ما باليد حيلة لتقاطعه بغضب لا بيدينا حلية نستطيع السفر الى بلد آمن لا جوع فيه لا عطش لا قذائف و تهديد بالموت طوال ما نحن جالسون وفجأة صوت قوي جداً قذيفة نزلت بالقرب من المدرسة لينهضا بذعر

 مريم: الأولاد في المدرسة دعنا دعنا نذهب اريد اولادي

 امجد بلهفة وخوف ولكنه ضبط نفسه:و خرجا مسرعين للمدرسة ليجدو الدخان قريب من المدرسة و بالطبع خرج كل اهل الحيّ فظن الجميع انها نزلت في المدرسة و بدأ النساء بالبكاء و المُنادات اولادي اولادي يا ناس اولادي يا عالم لقد رحلوا الى ان توقف الدخان فعرفوا انها لم تنزل في المدرسة بل امامها فسارع الجميع و دخلوا المدرسة ليقوم كلن منهم بأخذ أولاده و أغلقت المدرسة و الحمدلله لم تضرر احد ولكن كل من كان في المرسة كان خائف و مرعوب مما حدث عادوا للمنزل بالمزيد من الألم و خيبات الامل المنقطع في بلد لم تعد الحياة به كما كانت بل أصبحت جحيم يلتهم الكل بلدي بالرغم من كل حدث بك سنبقى سنبقى نحبك حتى النهاية بل حتى الفناء ولكن لا نعرف ماذا حدث لك او كيف انتابك الغضب فجأة مالذي جعلك هكذا و بهذا الكهول و العجز.

 دخلوا المنزل و بينما مريم تعانق أولادها بلهفة و خوف كبير جدا و الأولاد صامتون من الصدمة

 امجد : الحمدلله على سلامتكم احبائي و قبّل راسيهما بينما كانت مريم تنظر له نظرة دهشة من ردت فعله الباردة

 مريم: ماذا الحمد لله على سلامتهم فقط هكذا وبهذا البرود امجد

 ماذا كيف تريدين منّي ان اتحدث لقد اعتدنا على أصوات القذائف و اشكال الصواريخ ماذا تريدين منّي ان افعل

 افعل شيء قرّر السفر مغادرة هذا البلد الجميل على الأقل أولادنا كادوا ان يموتوا هنا ان اريد السفر امجد اريد السفر

 بغضب شديد سفر سفر سفر و بدأ بصفع خدّيه انا لن ابرح حتى اموت في هذه الأرض و على هذه الأرض اريد ان ينسكب دمي تريدين السفر حسنا خذي الأولاد و غادري هذه البلاد ولا تعودي الى ان تصبح البلد كما تشتهين انت سعيدة هكذا

 نعم سعيدة و سأذهب الان الى محمد كي يتحدث لي مع المُهرب كي اذهب الى تركيا ولكن قلّي ماذا ستفعل انت هنا ستتأمل الجدران ام ماذا ستبقى وحدك امجد حبيبي ارجوك تعال معنا ارجوك لا تحملني مسؤولية الأولاد وحدي اريدك معي لنكمل سوية ماذا انت هنا ما هو مكانك لست جندي لدى النظام ولست واحد من الثّوار قلي انت من و ماذا ستفعل بالبقاء هنا

 ليبتسم بسخرية جندي لدى النظام تريديني ان اقتل اهل بلدي و واحد من الثوار أيضا ساقتل اهل بلدي انا مجرد مواطن صالح يحب وطنه و يساعد اهله لا اكثر و سأبقى صامد حتى النهاية به حتى الموت و بالنسبة لسفري معكم تعرفين انني سأموت اذا غادرت بلدي ارجوك دعيني اموت هنا لم يبقى لي شيء سوى حق الموت في بلدي آلا يحق لي ان اموت في المكان الذي اختاره

 لتبدأ بالبكاء امجد سأحبك سأشتاق لك كثيرا

 ليقبّل رأسها و يعانقها و يعانق الأولاد

 وبعد كل هذا الضجيج و طيلة هذا الحديث لم يقف صوت الرصاص و القذائف كأن حلب اصبح صوتها الوحيد العديد من التفجيرات الممتالية و الطيران الذي يضرب كل شيء ،وذهبت مريم لمحمد و تحدثت معه و اتفقوا مع المهرب لتأمين سفرهم لتركيا و بعد فترة وجيز اتصل بها المهرب و حددوا الموعد و قامت بتوضيب بعض الأغراض و في الليل أرادوا المغادرة بينما قلبها بدأ بالخفقان و ينقبض بطريقة غريبة لأول مرة حملت الحقيبة الصغيرة و امسكت يد الأولاد و وقفت على باب منزلها و نظرت للخلف لتجد امجد واقف و هو حزين يائس وبعينيها تركت الأولاد و ركضت نحوه و عانقته و بدأت بتقبيل خدّيه و البكاء و كان هذا العناق الأخير لهما و قالت سامحني امجد سامحني ارجوك لعلي اوأمن حياة كريمة لأولادنا ارجوك اشتاق لنا و الحق بنا حبيبي و الدموع غالبة كالعادة مشاهد الوداع الأخير دائماً تكون حزينة للغاية و مفعمة بلأمل وغادروا.
 و بينما ركبوا السيارة و باتوا تقريباً خارج الحيّ الجميل في نفس اللحظة حدث التفجير في الحيّ و مات كل من فيه كانت السيارة مُلغمة و انفجرت بهم و مات الجميع و تدمر الحيّ الجميل بأكمله و أصبح حيّ الدماء و الدمار مات الجميع بينما هم يرديدون لا نريد الموت الا في بيلادنا و لكنهم كانوا خائفون جداً بل هم لم يريدوا الموت بهذه السرعة ،لم يكن من المقدر لمريم الهرب لأن القدر و الحرب اقوى من كل شيء ربما يا وطني من المقدّر لك ان تبقى تائه بين جمع الأوطان هذه و من المقدّر لنا ان نبقى لأجيئين في شتّى الأوطان ولكن قلي يا وطني هل لازالت موجود حيّ في قلوبنا التي لم يعد يهمها شيء سوى ان تكون في آمن وطني لم نكن نريد شيء و نحن لانريد منك شيء سوى ان نكون آمينين مطمئينين فيك كم احبك بكل حالاتك بحروبك بدامارك بعمارك و انهاراك و ترابك زرعك كل شيء فيك احبه مهما كان و لا اريد اللجوء لغيرك من الأوطان لانه مهما كان هناك اوطان تأوي قلوبنا ليس لنا مآب الا انت و ليس لنا انتماء الا اليك يا وطني و يبقى الامل بأن تصبح يوماً ما ملاذ العالم لتكون لهم وطن يضم مواطنيه كما الام تضم رضيعها الصغير و يبقى الامل ان يعود حييّ الجميل كما كان و كما كنت انت، ويبقى الامل بك يا وطني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى