الاثنين ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥
بقلم حيدر حسين سويري

تناقضات زنكَلاديشية

يقول الشاعر (المتنبي): "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ..... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ"

ويعني في هذه الحكمة، أن العاقل يجد الشقاء والتعب بسبب تفكيره وتحليله المستمر للأمور، حتى في أوقات الراحة والنعيم، بينما الإنسان الجاهل قد ينعم بالحياة بشكل أبسط، لأنه لا يدرك تعقيداتها، أو لأنه لا ينظر إلى عواقب الأمور، لذا يعيش في بساطة و"سعادة" مزيفة.

في مقالات سابقة وقفت على تناقضات أو بالأحرى تساؤلات، ظنني البعض أني كنت ساخراً، نعم قد تكون طريقة طرحي ساخرة لكني بكل تأكيد أبحثُ عن إجابة؛ وفي مقالي هذا سأطرح تساؤلات جديدة:

يُعلمون أولادنا في المدارس أن جابر بن حيان الكوفي (عالم الكيمياء) قد صنع ورقاً لا يحترق، وفي نفس الوقت يقولون لهم أن كتب جابر أحرقها المغول أو غيرهم من الغزاة! فأما أن يكون جابر لم يصنع الورق فاحترقت كتبه أو صنع الورق، فيكون السؤال: أين كتب جابر؟! والجواب: أرى (ومن زمن بعيد صرحت بذلك) أن ما يذكر من حرق المغول أو غيرهم من الغزاة للكتب مجرد كذبة واشاعة، فالكتب تحوي العلم والعلم كنز، فماذا يبحث الغازي في غزوه غير الكنوز؟!

تنتشر الآن في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً متحركة بالذكاء الاصطناعي للحضارات التي كانت قبل الاف السنين، منها الحضارات في العراق، ويقولون أن كان لديهم تكنلوجيا متطورة، حتى أنهم جابوا الكون وانتقلوا بين الكواكب والمجرات، وذلك من خلال صور وكتابات كتبت على الواح طينية! وأقول: لو أن ما تقولونه صحيحاً، ألم يكن من السهل عليهم اختراع وصناعة الورق؟! لماذا كتبوا على الالواح الطينية؟!

يجمعون الاموال ويبنون القصور، ويفتحون القاعات للرقص والغناء، ويشيدون الملاهي التي تحوي العاباً متنوعة، فتعيش الناس في هرج ومرج، ويقنعونهم أن هذه هي الحياة السعيدة والمريحة؛ لكنهم في نفس الوقت يذهبون الى الغابة أو الصحراء لنصب خيمة، ويوقدون على الحطب ناراً، ويأكلون من البرية مما تأكل الانعام من خضروات وفواكه! فهل هم مع التطور العمراني والتكنلوجي أم ضده؟! إذا كانوا معهُ ويعشقون التعقيد، فلماذا يألفون ويرتاحون في عالم البساطة؟! وإذا كانوا ضده لماذا أجدوه؟!

الجيل الوسط والمظلوم بين جليلين: عندما كنا صغاراً ثم أصبحنا شباباً، كان المعلمون في المدرسة والمشايخ في الجوامع يحثوننا على بر الوالدين، ويحذروننا أن عقوقهما يعادل الشرك بالله والطرد من رحمته، فواظبنا على برهم، فعملنا ونحن مازلنا طلاباً في المدارس، وكوَّنا أنفسنا، وحين تخرجنا من الدراسة الجامعية، زوجَّنا أنفسنا، اعتمدنا على أنفسنا، وبقينا نبر والدينا حتى وافاهم الاجل؛ فكبر أولادنا، وبدأوا يطالبوننا بحقوقهم! ويجب أن نوفر لهم السكن اللائق، والاكل والشرب المناسب، والجو الدراسي والصحي والنفسي، وأحدث الاجهزة التكنلوجية، والسيارة الحديثة، حتى يتمكنوا من اكمال دراستهم، ثم اذا ما تخرجوا زوجناهم! وبما أنهم بلا عمل، فلا بأس بأن نصرف عليهم وعلى ازواجهم وأولادهم! فلما سألناهم: من علمكم هذا؟! قالوا: المشايخ في الجوامع، ومنظمات المجتمع المدني! ونقول: وأين حقوقنا نحن الجيل الوسط؟!

بقي شيء...

التفكر نعمة وإن كان يجلب التعب، فلذة المعرفة لا تدانيها لذة البتة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى