قليلاً فوق صوتِ الدانوبِ
صنعَ لنفسِه مِعطفًا
من قطيفةٍ بيضاءْ،
ثم راحَ يفتِّشُ في الصندوقِ القديم
عن أزرارٍ
تناسبُ فتىً ينسَّلُ إلى الكتابِ في فصلِها الأخيرِ
قبلَ صفقِ الغلافِ
مباشرةً.
يحسبُ بعينيهِ:
ثلاث يارداتٍ تقريبًا،
كي يمكنَهُ القفزُ فوق السورِ
من مسافةٍ معقولة،
ثم يمشي متكاسلاً
حتى المقعدِ الخشبيّ
في أقصى الغابة الساكتة.
يعلو صفيرُه بالدانوبِ الأزرقِ
مغمضَ العينينِ
بينما قدمُه
توقِّعُ الإيقاعَ.
لا تزعجوه بالسؤالْ
عن حبيبتِه التي ماتتْ في حادثِ سيارةْ،
كانت بنتًا لا تسمعُ الكلامْ!
هو
سيرفضُ الإدلاءَ بملامحِها،
لا لسببٍ في نفسِه،
بل
لأنه انشغلَ بعشقِ المساحةِ الواسعةِ
بين عظمتيّ ظهرِها.
مساحةٌ
كان كلما خاصرها
يرسمُ فوقها
– بأناملِه -
كروكيًا لثلاثةِ عشاقٍ
يبحثون عن حكاية،
وفي الهامشِ
بخطًّ صغير:
"إحالةُ المعقداتِ إلى أمورٍ بسيطةْ،
ثم
المعاظلةُ في البديهياتْ."
و بعدما ينتهي
يعاتبُ أمَّها
– التي يتصادفُ دخولُها بكوبيّ ليمون _
لأنها لقَّنتْها
أن الكلامَ والابتسامَ
هما الوظيفتانِ المنذورتانِ لشفتيها
وحسبْ.
لا جدوى من تكرارِ المحاولةِ إذن
لأنها حتى لم تتذكرْه في الوصية.
وصيتُها الأخيرة
التي وزعت فيها تفاصيلَها المعطّلةَ
على أحبائِها
بنسبٍ محسوبةٍ،
لكنها استدركت الأمرَ في آخرِ الورقةِ
– بعد التوقيع –
وهبتْه
أصيص النبتةِ
نبتةِ الظلِّ،
التي ضبطته يومًا
يتسللُ من باب المطبخِ
فأخرجت له
لسانَها.