الثلاثاء ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

فقه الحقارة

كثيرا ما نصادف في حياتنا أشخاصا ذوي نفوس حقيرة، بل إننا، إن حاسبنا أنفسنا بصدق، قد نلاحظ أحيانا لحظات تصرفنا فيها بحقارة. مع ذلك، من المهم أن ندرك أن الحقارة ليست سمة واحدة، بل تختلف في شكلها وشدتها وتعبيرها من شخص لآخر. لكن ما يهمنا هنا ليس حالات الحقارة أو الأنانية الاعتيادية، بل أولئك الذين يجسدون الحقارة في أشد صورها تطرفا وتدميرا. هؤلاء هم الأفراد الذين يجمعون في سلوكهم كل صفة حقيرة إلى أقصى حد مثل الأنانية والخداع والاستغلال والقسوة. وبهذا المعنى، فهم لا يمثلون الحقارة فحسب، بل يجسدون جوهرها الأشد حقارة. وفي كلمة، فما سوف نعرض له النموذج المثالي للحقارة!!

غالبا ما يُعرف الشخص الحقير بنمط مستمر من الأنانية والاستغلال. يضع هؤلاء الأفراد مصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار، حتى لو عنى ذلك إيذاء الآخرين أو تجاهل سلامتهم. فهم لا يعاملون الناس كبشر لهم مشاعر وكرامة، بل كأدوات تُستخدم لتحقيق مكاسب شخصية. هذا السلوك الأناني يجعلهم عاجزين عن بناء علاقات حقيقية ومحترمة ومتوازنة. من السمات الأساسية للسلوك الحقير الدناءة، التي تتجلى في الجشع والرغبة الجامحة في استغلال الآخرين بأي وسيلة. يلجأ هؤلاء الأفراد إلى التسول أو الكذب أو التظاهر إذا ما ضمن لهم ذلك منفعة، مهما كانت ضئيلة. هذا الدناءة لا تنفصل عن الأنانية والاستغلال، إذ يقدمون مصالحهم الشخصية باستمرار على كرامة الآخرين وسلامتهم ورفاهيتهم. وبتحويلهم الناس إلى أدوات لتحقيق مكاسب شخصية، يكشفون عن عجزهم عن بناء علاقات حقيقية ومحترمة ومتوازنة، مما يجعل وجودهم مفسدا للثقة والتواصل الإنساني.

ومن السمات المميزة الأخرى الخداع والتلاعب. فكثيرا ما يكذب الأشخاص الحقيرون، ويشوهون الحقائق، أو يخفون الحقيقة للحفاظ على السيطرة أو تحقيق ميزة. إنهم يزدهرون باستغلال ثقة الآخرين، واللعب على عواطفهم كالتعاطف والخوف والشعور بالذنب لإخضاعهم لإرادتهم. هذا التلاعب ليس عرضيا، بل يصبح استراتيجية أساسية في كيفية تعاملهم مع العالم. هذا التكتيك العدواني لا ينفصل عن عاداتهم الملحة في الكذب، والتي تشكل أساس اتهاماتهم وهجماتهم. بتحريف الحقائق، واختلاق القصص الكاذبة، أو إخفاء الحقيقة عمدا، يشيدون واقعا مشوها يغطي عيوبهم ويُعرّض الآخرين للوم. أكاذيبهم ليست مجرد أسلحة دفاعية، بل هي أسلحة هجومية، تستخدم لتقويض الثقة، وتدمير السمعة، والتلاعب بالمواقف لصالحهم. بهذه الطريقة، يصبح الخداع شريان حياتهم في تفاعلاتهم، مما يُمكنهم من إخفاء إهمالهم، وتبرير الاستغلال، والحفاظ على مظهر زائف من المصداقية حتى مع تآكل العلاقات التي يعتمدون عليها.

بناء على ذلك، غالبا ما يحول الأشخاص الحقيرون خداعهم إلى فن استغلال نفسي مدبر. يدرسون نقاط ضعف الآخرين ويستخدمون الإطراء أو الاهتمام الزائف لجذب ضحاياهم وتجريدهم من أسلحتهم. بمجرد بناء الثقة، يحولونها إلى أداة للسيطرة، ويلجؤون إلى الابتزاز المالي أو الجنسي لضمان مصالحهم. وما يبدأ تلاعبا عاطفيا سرعان ما يتفاقم إلى إكراه، حيث يسخر خوف الضحية من الانكشاف أو العار أو الخسارة ضده. بهذه الطريقة، لا يكون التلاعب تكتيكا عابرا، بل يصبح جوهر كيفية احتفاظ هؤلاء الأفراد بالسلطة على الآخرين.

بالإضافة إلى التلاعب والابتزاز، غالبا ما يطور الأشخاص الحقيرون قدرة حادة على مهاجمة الآخرين واتهامهم كوسيلة لصرف الانتباه. فعندما يُواجَهون بأعمالهم المخزية، يلقون اللوم على الآخرين، مختلقين الاتهامات لإضعاف خصومهم وتشويه سمعتهم. يتيح لهم هذا التكتيك إخفاء عيوبهم بوضع الآخرين في موقف دفاعي، مما يجبر الضحية على تبرير أفعاله بينما يفلت المُعتدي من المساءلة. هذا السلوك لا يحمي الشخص الحقير من الانكشاف فحسب، بل يُعمق سيطرته أيضا، إذ يُنشئ جوا من الشك والخوف وعدم الثقة يسكت المعارضة ويرسخ هيمنته.

كما أن الخيانة وانعدام الولاء سمة مميزة لشخصياتهم. فهم يخلفون الوعود، ويتخلون عن الالتزامات، وينقلبون على من ساندوهم يوما ما كلما كان ذلك في صالحهم. وبدلا من تقدير الولاء والامتنان، يتعاملون مع العلاقات كترتيبات مؤقتة يمكن التخلص منها عندما لا تعود مفيدة. هذه العقلية الانتهازية تجعلهم غير موثوقين وخطرين على الثقة. ويغذي الحسد والحقد الكثير من سلوكياتهم. فبدلا من الاحتفاء بنجاح الآخرين، يستحوذ عليهم الاستياء والغيرة. يسعون إلى التقليل من شأن المتفوقين أو إضعافهم أو تقويضهم، معتقدين أن إضعاف الآخرين سيرفع من مكانتهم بطريقة ما. إن افتقارهم للتعاطف يسمح لهم بالرضا عن آلام الآخرين، أو على الأقل البقاء غير مبالين بها، مما يبرز قسوتهم.

النفاق صفة شائعة أخرى. فالشخص الحقير غالبا ما يبشر بقيم لا يمارسها، ويدين الأخطاء التي يرتكبها بنفسه، ويستخدم اللغة الأخلاقية كواجهة فقط. هذه الازدواجية لا تضعف مصداقيتهم فحسب، بل تعمق أيضا الضرر الذي يسببونه، إذ تُربك وتخدع من حولهم. في نهاية المطاف، ما يجعل شخصا حقيرا حقا ليس فعلا واحدا، بل نمطا متكررا ومستمرا من السلوك المؤذي. يُظهر هؤلاء الأفراد غطرسة عند الضرورة، لكنهم ينأون بأنفسهم عند الحاجة إلى شجاعة حقيقية. يلجأون إلى النميمة والتشهير لتشويه سمعة الآخرين، وغالبا ما يظهرون نكران الجميل لمن ساندوهم سابقا. هذه الصفات مجتمعة تكشف عن شخص مدمر، وغير جدير بالثقة، ومفسد للروابط الشخصية والاجتماعية.

وهناك بعض الطرق العملية التي يمكن اللجوء إليها عند التعامل مع الأشخاص الحقيرين:

 لا تسمح لهم بتجاوز حدودك الشخصية أو العاطفية. كن حازما بشأن ما تتقبله وما لا تتقبله، سواء في المحادثة أو العمل أو العلاقات.

 غالبا ما يزدهر الأشخاص الحقيرون بالتلاعب، وهنا كلما قلت المعلومات والمشاعر الشخصية التي تشاركها، قلت قدرتهم على استغلالك.

 انتبه للسلوكيات المتكررة بدلا من تصديق الاعتذارات أو المبررات. فالنمط المستمر من الأكاذيب أو الخيانة أو الأنانية أبلغ من اللفتات اللطيفة العرضية.

 أدرك أن هؤلاء الأشخاص نادرا ما يتغيرون دون جهد منهم. حافظ على توقعاتك إذا لم تتوقع منهم الولاء، فلن تفاجأ بالخيانة.

 غالبا ما يثير الأشخاص الحقيرون الصراعات للحفاظ على السيطرة. الرد بالغضب يغذي غرائزهم. بدلا من ذلك، اجعل تفاعلاتك موجزة، ومهنية، وخالية من المشاعر.

 أحط نفسك بأشخاص جديرين بالثقة، داعمين، يمكنهم تقديم منظور واضح وحماية من التلاعب أو التشهير.

 أحيانا تكون أفضل حماية هي الابتعاد. إذا كان شخص ما يسبب الأذى باستمرار، أو يقوض ثقتك، أو يزعزع استقرارك، فقد يكون قطع العلاقات هو الخيار الأمثل.

 ثبت نفسك على الصدق والولاء واللطف. بعكس سلوكهم، فأنت لا تحمي نفسك فحسب، بل تعزز أيضا نوع العلاقات التي تستحق الحفاظ عليها.

السر هو ألا تدع شخصا حقيرا يجرك إلى مستواه. أنت تحمي نفسك بالبقاء صافي الذهن، حازما، ومتمسكا باحترام الذات.
وأخيرا هل باغتتك الظروف وتقلبات الحياة في أن تقابل مثل هذا النموذج المثالي المصفى للحقارة مجسدا أمامك، لحم ودم وخصائص؟!! إن قابلت ربما تجد نموذجي المثالي صحيحا كليا أو نسبيا، وربما تضيف صفات أخرى للحقارة البشرية التي لا تنتهي!! ولا تنسي أن تسأل نفسك، هل باغتتني صفات الحقارة أيضا؟!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى