غزة...تمكنت من تغيير بوصلة الاستراتيجيات في المنطقة
بتواطؤ الدول العربية والاسلامية المجاورة, بعد 15 شهرا من العدوان الهمجي البربري المتواصل، تنقشع الظلمة عن سكان القطاع الذين امضوا جل اوقاتهم في النقل بين احياء القطاع المدمر وفق توجيهات الصهاينة للامعان في القتل والتنكيل، اشهر مأساوية قضوها والاعراب وبالأخص دول الطوق لم تفعل شيئا لنصرتهم، اصبحوا في اشد الحاجة الى أي من انواع الاكل ومياه الشرب التي لم تعد صالحة بفعل التدمير الممنهج لما تم بناؤه، سكان القطاع يفتقدون الى ابسط الاطفال، فالمشافي استهدفت لانها حسب ادعاءاتهم تحوي مقاتلين، ناهيك عن المدارس والجامعات ومقار غوث اللاجئين التي اعتبرها الصهاينة متواطئة مع المقاومين، الإمدادات العسكرية الغربية للصهاينة لم تتوقف يوما والهدف اناس ارادوا ان يعيشوا بأمن وسلام فوق ارضهم التاريخية.
الجمهور المقاوم فرح بالحصول على شيء من الراحة ربما هدنة مؤقتة او تطول، ينظر الى وطنه المدمر فوق راسه، ولم يجد سوى بعض الخيام التي لا تقيه برد الشتاء وهدير السيول، انه يعيشون عصر ما قبل التاريخ بفعل من يدعون التحضر واحترام البشر، ثياب رثة، ادوات طهي بدائية. كشفت لهم الحرب، الحقيقة المرة التي كانوا يجهلونها او لنقل لم يكونوا يتوقعوها، وهي خذلان بني عمومتهم واخرون يدعون اخوتهم في الاسلام وحرصهم المزيف على مؤازرة المسلمين اينما كانوا وحيثما حلّوا.
سكان غزة فقدوا ما يقارب الخمسين الف شهيد وضعف العدد من الجرحى وبضعة الاف سينضمون الى شريحة المعاقين غير القادرين على العمل، فقدوا خيرة ابنائهم الذين كانوا يؤملون فيهم مستقبلا زاهرا سعيدا، لكن هؤلاء الفتية لم يرضوا بالدنية واستحبوا الشهادة على الخيانة والتفريط في الارض والعرض، فقدوا قادة عظام استطاعوا بإمكانياتهم المتواضعة توطين صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة التي اقضت مضاجع العدو على مدى 450 يوما، بينما الحكام العرب في مجملهم وعلى مدى عمرهم المديد وما لديهم من امكانيات مادية وعلمية لم يقوموا بما يجب نحو توطين الصناعات الحربية واكتفوا باستيراد ما يريدون من الغرب لكي يدعموا اقتصاده وفي النهاية تصبح اكوام من الخردة.
افراح الغزاويون مكسورة، بارتقاء اخوة لهم في العرق والعقيدة الى الرفيق الاعلى سندا لهم منذ اليوم الثاني لانطلاق طوفان الاقصى على الساحات اللبنانية والعراقية واليمنية، لا شك ان المصاب جلل، ولكنها سنة الحياة، فالقضية الفلسطينية التي استشهد من اجلها الكثيرين لن تمت كما ارادوا لها، بل ستأخذ طريقها وان يكن شاقا نحو التحرير، طوفان الاقصى اظهر مدى عدالة القضية الفلسطينية من خلال التجمعات الجماهيرية بمختلف مناطق العالم بما فيها شعوب الدول التي تساند العدو وتزوده بمختلف انواع الاسلحة والعتاد واعتراف العديد من الدول بأحقية الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. لكنهم تمكنوا بتضحياتهم من تغيير بوصلة الاستراتيجيات في المنطقة، وظهرت قضية فلسطين على السطح، على انها قضية شعب يريد العيش فوق ارضه بسلام كبقية الشعوب, وليس مجرد اناس بإمكانهم العيش في الشتات.
تحية لارواح الشهداء والمقاومين على مختلف الساحات والذين ساهموا بالنصر, التحية لشعب اليمن الذي لم يتوقف يوما عن نصرة غزة رغم استهدافه السافر من قبل امريكا والغرب، لقد اثبت اليمنيون انهم عرب اقحاح يهبون لنصرة المستغيث، فصواريخهم الفرط صوتية ومسيّراتهم بعيدة المدى ارعبت العدو ومن معه واجبروا حاملات الطائرات الامريكية على مغادرة البحر الاحمر، بعد ان استهدفوها اكثر من مرة، المجد والخلود للمقاومين ومن وهب نفسه في سبيل الوطن ونصرة الدين، والخزي والعار للمنبطحين المطبعين.