عند المرأة الشاعرة سعاد الناصر نموذجا
نص المداخلة التي ألقيتها في الندوة التي نظمتها فرقة البحث في الإبداع النسائي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان "حول موضوع تجليات المرأة في الخطاب الشعري المغربي"
عذرا فعذرا .. وأنا في حضرة الأدباء والشعراء والكتاب والنقاد وأهل الاختصاص ألامس موضوعا طالما شغل بال الكثيرين منكم، فاسمحوا لي أن أطل إعلاميا من منبركم هذا، باعتبار أن الإعلام والأدب جزآن يكملان بعضهما البعض ولا ينفصلان على الإطلاق.
بدأ... أحب أن أشير أن موضوع المرأة أصبح حاضرا بقوة في مجالات عديدة في الأدب كما في الإعلام والحياة العامة. أقول وأجري على الله فيما أقول..... أن الشاعر نزار قباني تساءل يوما: هل المرأة أصلها قصيدة؟ أم القصيدة أصلها امرأة؟ سؤال كبيرلاحقه منذ أن احترف حب المرأة... وحب الشعر.. سؤال لم يجد له جوابا لأن تفسير الأشياء الجميلة يؤدي بها إلى الموت.. هكذا قال ...
لكني أقول إن كل لقاء بين القصيدة و المرأة، هو استحضار لحالة شعرية. والوسيلة الوحيدة التي تمتلكها المرأة الشاعرة للإفصاح عن نفسها، هي الكلمة بعد أن كانت حكرا على الرجل، بيد أنها لا تمتلك وسائل الحياة والديمومة إلا حينما تستعيرها وتجعلها موضوعاً للشعر وتلبسها ثوب القصيدة.
جاء الشعر الحديث ليقدم على محاولة جديدة أدخلت الكلمات في جوهر تجربة المرأة المعاصرة في لغة رمزية أو غيرها. تلجا إليها المرأة الشاعرة لتستجيب لوضعها الروحي وحقيقة وجودها كذات للانفلات من الاصطدام بواقع جاف اوجد دوافع قوية للهرب منه، فكانت الكلمة وكان الشعر كمهرب مريح، عبر السماح للخيال بالتجوال الفسيح في عالم غير محدود وبذلك انفتحت الافاق واسعة لدى المرأة الشاعرة ليكون التعبير الفني متحرراً من قيود الواقع ، ومعطياته المنطقية الجافة.
لقد صار بإمكان الانثى الشاعرة أن تحيا - بفضل الكلمة الشاعرة – كاشفة عن همها الاجتماعي او الفكري أو السياسي، ولم تعد محاصرة في حدود الصورة القسرية النمطية المكررة في المجتمع المغربي. بل عبرت لتكون منطلقاً للتعبير عن قضايا جوهرية تخص حقيقة الوجود الإنساني نفسه من خلال وعي بالمضامين والدلالات يقابله واقع موضوعي يستدعي توظيف مزيد من الأدوات الفنية.
وكما يشير النقاد فإن الكتابة النسائية في المغرب منذ عقود تحولت إلى تشخيص لأدبية الأنثى في علاقتها بالرجل، وتجسيد لهمومها الشعورية و اللاشعورية وصراعها الذاتي الداخلي والخارجي من خلال المناجاة والبوح والاعتراف والتمرد. لكن أهم ما يميز الكتابة النسائية يشير الدكتور جميل حمداوي هو إثبات الهوية والخصوصية الأنثوية واستقلالية المرأة عن الرجل في شكل صراع جدلي معه أو من خلال تعايش ائتلافي.
لذلك تحضر كثيرا عقدة الرجل في الكتابة النسائية إلى جانب مقومات الجسد وما يتصل به من زواج وجنس وجمال وأنوثة وسن وبكارة وحب وعنوسة وإنجاب وحرية ومسؤولية. وقد تتسلح شعرية المرأة بسلاح التأنيث في مواجهة الذكورة التي تحيل في القصيدة النسائية على الاستعباد والاغتصاب والترهيب والغطرسة.
وثمة تجليات أخرى للكتابة الشعرية النسائية في قصيدة المرأة إلى جانب جدلية الذكورة والأنوثة.... كما تتجسد في معاناة المرأة وصبرها من خلال استحضار الأم والجدة في صورة المرأة المستعبدة المذلولة، و في المقابل تستحضر نفسها في المرأة المتمردة الكائنة وجوديا والمتحررة من شرنقة الذكورة الظالمة. وقد تنجح قصائد وشاعرات في رسم لون يتماشا والنموذج المتميز للكتابة الشعرية النسائية من حيث المضمون، و الكتابة التصويرية والإيقاعية إلا أن أخرى سقطت في التقريرية المستهجنة،والنثرية الظاهرة، والسطحية الفجة، والمضامين المباشرة.
وقد جاء الاهتمام بموضوع أدب المرأة عموما وشعرها على وجه الخصوص نظرا لما تشهده الساحة الثقافية من تحول كبير، إذ أصبح النقاد والمهتمون يستنطقون مواضيع عديدة مثل الأدب النسائي و أدب الغربة أو الهجرة السرية، أو أدب السجون وهو ما يعرف بسنوات الجمر والرصاص. والحديث عن شعر المرأة بشكل عام يستلزم في معالجته الكثير من الاحتياط والحذر وأتساءل كما تساءل من قبلي عدد من النقاد. هل الحديث عن كتابة شعرية نسائية مخالفة الرجال؟ وهل يمكن تأسيس نظرية لسانية وأدبية تنطلق من نزعة نسائية أو رجالية؟.
وبعيدا عن الغوص في التجاذبات وما يرتبط بمصطلح الأدب النسائي يحسم البعض من المهتمين في قبولهم مفهوم الأدب النسائي بدلاً من أدب المرأة وذلك إذا كانت الغاية دراسةَ ملامح معينة في واقع معين وبشروط واضحة ومحددة وتحت عناوين واضحة. ثم إن الحديث عن الأدب النسائي أو الشعر النسائي في المغرب حديث مهم، ويستمد أهميته ومشروعية البحث فيه من خلال ارتفاع وتيرة النشر في السنوات الأخيرة، ومن خلال وحدات التكوين والبحث ومجموعات البحث والجمعيات والمهرجانات والتآليف التي أولت موضوع الإبداع النسائي كبير اهتمامها.
وبعيدا عن استنطاق النصوص والدواوين الشعرية النسائية التي كثرت في السنوات الأخيرة، التي سجلت حضورا متميزا في الوسط الأدبي، على مستوى الشكل والمضمون. يقف هذا المقال عند أحدى الشاعرات التي تركت بصماتها واضحة في مجال الشعر والنثر في المغرب والعالم العربي بوجه عام.
هي شاعرة كما وصفتها حليمة الإسماعيلي الإعلامية والمهتمة بالأدب النسائي رقية كنسمة متألقة كنجمة نقرؤها أمّاً، فنرى الصورة الأمثل والأكمل للأم... الأمّ التي تفجّر ينابيع العواطف في القلوب حتى لو كانت قُدَّت من صخر ... نقرؤها مؤمنة... ونقرؤها مجاهدة ثائرة،...ونقرؤها متأملة، فنقرأ فلسفة الحياة، في أدق صورها وأكثرها وضوحاً إنها باختصار إنها الشاعرة سعاد الناصر.
ترى أم سلمى فهي/ سعاد الناصر أن تجليات الشعر في إحدى الحوارات الصحفية تظهر في خطاب شعري يتوق الى التواصل والرغبة في اقامة الحوار مع المتلقي العاشـق، وفي ربط علاقة وطيـدة مع هذا المتلقي المهووس بلهـيـب الحدس، تبتغي فيـه حنين البقاء. هناك ترسل أم سلمى إليه عناقيد من البلور المبللة بعبق الخصوبة والهوية الفوارة، آملة أن ترى فيها ذاتها الفرديـة والحضارية، ويسقيها بنبع الحضور حين انبثق الشعر في ذاكرتها، منذ الطفولة.
وتحكي أن ثمة أصوات من الزمن الغابر ومن الحاضر المتجدد، كانت تقتحم عزلتها الخاشعـة كصدى لأشواق ضبابيـة تجرفها نحو كلمات مرتبكـة الايقـاع، لكنها مضـاءة بعمـق ذاتها النازفـة فـوق محراب النص، فكانـت" لعبـة اللانهايـة" و "فصول من موعـد الجمر" و "ديوان هل أتاك حديث الأندلس".
يرسو المقال على هذا الديوان ليعيد ما أفاضت به الأديبة الكويتية هيفاء السنعوسي، حين تحدثت عن الديوان واعتبرته تجربة مغربية ناضجة فكريا وفنيا. مبرزة خلال ندوة فكرية نظمتها وزارة الإعلام الكويتية في ماي من السنة الماضية. موضحة في مداخلة لها في موضوع "القيم الإنسانية في شعر المغربية سعاد الناصر،أن الديوان الذي نشر سنة 2010، يجمع بين نصوص سردية وأخرى شعرية مما يعكس عمق خيال الشاعرة ومهارتها في استخدام التراكيب والصيغ التعبيرية، ويتميز بسحر الكلمة وروعة المعنى وجاذبية الخيال. السنعوسي اعتبرت أن الشاعرة سعاد الناصر تتراوح بين الإبحار في عالم الذات المغتربة القلقة الباحثة عن القيم والمثل والمبادئ المفقودة في عصر محتشد بالانفلات الأخلاقي، والمزج بين ذاتها والآخرين في تركيبة إنسانية جميلة تعكس نفسية الأديبة وقناعاتها الفكرية.
ونبقى مع هذا الديوان، لنغوص مع قراءة للدكتورة سناء بن يسف الباحثة في مجال الأدب، لاستكشاف بلاغة الصورة في الشعر النسائي من خلال هذا النموذج ثم وضع مقارنة بين التصوير البلاغي وبلاغة الإمتاع . لتخلص أن أم سلمى قادرة على احتواء عدد من الأجناس الأدبية من خلال دواوينها الشعرية الصادرة.
وتعتبر ديوان “هل أتاك حديث أندلس؟، إفراز جمالي جديد، جاء كثمرة تلاقح للأجناس الأدبية، وتزاوج بين جنسين أدبيين “الشعر والسرد”، تغذيه الدفقة الشعورية الواحدة التي جمعت الجنسين، وتفجرت في صورة محكي متسلسل يحرك المشاعر الإنسانية والأحاسيس الفنية، والصور الرمزية التي تحيل تارة إلى الذات، وتحكي تارة أخرى عن العشق الإلهي، والانتصار للأمل والحب والحياة الطيبة، بالإضافة إلى النسيج الصوفي الذي يمتزج فيه الخيال بالواقع، وتثمر تجربة تتغلغل في العمق، لتنشئ وحدة عامة تشيع في الديوان
وتختم سناء بن يسف القول قولها، أن بلاغة الإمتاع التي تستشعر في الديوان قد تكون راجعة إلى كثافة التصوير. بسبب التأثير الجمالي الذي تخلفه الصورة في نفسية المتلقي، لكنها تؤكد، أن هذه البلاغة ترجع إلى عمق المضامين المبثوثة في الديوان، والداعية إلى معانقة قيم المحبة والصفاء والعطاء.