الثلاثاء ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

تأملات في النفاق والخداع في الأوساط الأكاديمية

في مجتمع يُشيد بشكل متزايد بالأصالة والذكاء الشعوري، غالبا ما نجد على أرض الواقع قصصا محبطة ومهينة وشائهة مختلفة، لا سيما في البيئات المهنية والأكاديمية. روت طالبة جامعية لي مؤخرا حادثة ملفتة تُسلط الضوء على سهولة تحوّل بعض الأفراد بين قناعي المودة والعداء.

وفقا لرواية الطالبة، خلال محادثة عابرة، بدأت دكتورة في جامعتها بالتحدث عن زميلتها بألفاظ بذيئة بشكل صادم. لم تكن اللغة غير مهنية فحسب، بل كانت مشبعة بهجمات شخصية توحي بعداء متجذر. ومع ذلك، بعد لحظات فقط، دخلت تلك الزميلة نفسها الغرفة. وما تلا ذلك كان عرضا دافئا ومودة بالغة الرقة على طريقة: "هيا، قبّل وعانق"، اندفعت الدكتورة، مسرعة لمعانقة الشخص الذي كانت تسخر منذ ثواني معدودة!!

هذه اللحظة - القصيرة والسريالية تقريبا - تقدم لنا لمحة ثاقبة عن النفاق اليومي، وهو سلوك غالبا ما يمر مرور الكرام، ولكنه متأصل بعمق في العديد من البنى الاجتماعية. من الناحية النفسية، يمكن تفسير هذا السلوك من خلال إدارة الانطباعات، وهو مفهوم طرحه عالم الاجتماع إيرفنج جوفمان. وفقا لجوفمان، يتصرف الأفراد كممثلين على خشبة المسرح، فيُعدلون سلوكهم ليناسب توقعات جمهورهم. في هذه الحالة، كانت الدكتورة ببساطة تبدل الأدوار - من ناقد خلف الكواليس إلى صديق في الواجهة.

وهذه القدرة على الخداع بسهولة ليست مجرد تكتيك اجتماعي؛ بل تعكس مشكلة أعمق في بيئات تخنق فيها المنافسة أو انعدام الأمن أو الثقافة المؤسسية التواصل الحقيقي. فالبيئات الأكاديمية، وإن كانت مبنية ظاهريا على الجدارة، غالبا ما تُكافئ التلاعب العلاقاتي والتحالفات السطحية والتنافسات الصامتة. في مثل هذه الأجواء، تصبح الأصالة عبئا، واللطف المصطنع مهارة للبقاء.

هناك أيضا بُعد أخلاقي جدير بالتحليل. فعندما يُطبق الأفراد النفاق، فإنهم لا يُقوضون الثقة فحسب، بل يُساهمون في ثقافة تصبح فيها الخيانة أمرا روتينيا. فسلوك الدكتورة، وإن كان يُنظر إليه ربما على أنه "مجرد تهذيب"، يُرسل رسالة واضحة للطلاب والأقران على حد سواء: ما يقال في السر لا يُحاسب عليه في العلن.

بالنسبة للطلاب الذين يشهدون مثل هذا السلوك، فإن الدرس مُر. فهو يكشف الفجوة بين ما تُعلمه المؤسسات - الأخلاق والنزاهة والمهنية - وما تتيحه. عندما يُطبق أصحاب السلطة سلوكا مُزدوجا، فإنهم يُضفون عليه، دون قصد، شرعية للجيل القادم.

في النهاية، هذه القصة ليست عن دكتور واحد أو لحظة واحدة. إنها عن الأنظمة والثقافات التي تُمكّن - بل تُكافئ - النفاق. وإلى أن يكون هناك دفع جماعي نحو الصدق، حتى في الأوقات غير المريحة، سيستمر العالم الأكاديمي في تنشئة مُخادعين ماهرين بدلا من مفكرين صادقين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى