تأملات في المقدس تتجدد
يسلم كل احد منا بعد تطور العلم طبعا، لا قبل ذلك، ان من المخلوقات التي لا حصر لها جنت عن العين في حين أن اخرى و هي أيضا لا يمكن تعدادها ظهرت العيان.
الأشعة الكهرومغناطيسية، الأشعة السينية، الموجات فوق الصوتية، الواي فاي، الالكترونات، النواة... و غيرها كثير مما يثبت العلم انها تتحرك في الاكوان و تكون بدورها مكونات اكبر او تتخللها عناصر أصغر بدورها لها حركية كالافكار التي تدور بخلد كل منا كتصورات و نيات يمكن اما ان تقبر كما قبرت مجموعة من الابداعات التي لم تخرج الوجود و بقيت دفينة عقول اصحابها لانهم لم يجرؤوا على تحويلها لانتاجات تمدد من شخصياتهم عبر التاريخ كما فعل اغلب العلماء الذين تجاوزوا الفراميل الوهمية ليخرجوا افكارهم للوجود لتكون امتدادات لاعمارهم بعد موتهم.
و كما ذكرت سابقا على مقال سابق بجريدة القدس العربي، فليست مقبرة هايغيت وحدها ذات الأهمية التاريخية العالمية لاحتوائها على الشخصيات الأكبر ذات الأهمية التاريخية ثقافيا، لكونهم أعلام ميدانهم كالمؤرخ إيريك هوكسباوم أو مؤسس الحركة التعاونية البريطانية جورج هوليك أو المفكر كارل ماركس أو المغني جورج مايكل وعالم التشريح هنري غراي أو عالم البيولوجيا التطورية هربرت سبنسر وغيرهم، بل في الحقيقة إن تأملنا بعمق فدائرة عدد الإنسانية ذات الأفكار الخلاقة هي أكثر اتساعا مما نعرف، انتهى استشهادي من المقال السابق.
الافكار كمخلوقات جنت عن العين، يمكن تقسيمها إلى افكار سلبية و اخرى ايجابية، او قل افكار نورانية و تلك الظلمانية، أو قل افكار تقرب من الفطرة و اخرى تبعد عنها، او قل افكار متفائلة و تلك اليائسة، او قل افكار شيطانية و افكار ملائكية.
جاء في الحديث الشريف عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفا، فأتيته أزوره ليلا فحدثته، ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني -وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما-، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (على رسلكما، إنها صفية بنت حيي)، فقالا: سبحان الله يا رسول الله!، فقال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا -أو قال شيئا-) ". حديث متفق عليه.
معنى الشيطان لغة المبعد، فكل ما يبعد عن الله فهو شيطان.
لنتخيل ام مخرجا سينمائيا التقيته و لاقيته بمنتج يمول فيلما سينمائيا يصور هاته الافكار المقصودة في هذا المقال، فلا مراء ان المخرج السينمائي ان اقتنع بالمبلغ المالي الذي يمكن أن يكون قد عرضه المنتج فانه بطبيعة الحال سيكون من السهل عليه ان يعرض الفيلم بعد اتمامه بداخل قاعة مظلمة يخرج من كوة متخصصة نورانية الآلة السينمائية التي تظهر الافكار المبثوثة السيناريو متحركة على شاشة السينما اما عن طريق التمثيل او كرسوم متحركة، المهم ان الانسان معبد ضعيف استطاع تصوير الافكار و جعلها تتحرك و ترسل الرسالة المقصودة.
فإذا قلنا مثلا ان اول فكرة اخرجت آدم عليه السلام هي الشيطان الأول الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإنه و العكس بالعكس كانت فكرة نورانية اولى داخل الجنة الهمته التسبيح ليتوب الله عليه.فإذا سلمنا ام العبد يمكن ان يصور الفكرة فيلما يمكن ان يرى و يرسل الرسائل، فلم يصعب علينا أن نسلم ام الله عز وجل و هو على كل شيء قدير ان يجعل الافكار النورانية ملائكة تتكلم مع سيدنا ابراهيم لتبشره او وسوسة شيطانية مشخصة كما تشخص الشيطان كما تشخص القرين لمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي الصلاة، وإن الله أمكنني منه فذعته (خنقته) فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون أو كلكم، ثم ذكرت قول أخي سليمان: (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرده الله خاسئا".
لا ينكر اي كاتب توالد الافكار في دماغه، و هكذا ان تدبر اي منا هذا الامر فسيستنتج تلقائيا ام تلاقح الافكار اما ان يكون عقيما ان كانت الافكار غير ذات خصوبة او أنها ستتوالد و تتوالد حتى نواف سطورا و كتبا تقتات منها عقول شرهة مثل عقول قرائنا الاعزاء فيشعرون بلذة الوجبات الفكرية التي ان كانت معدة بمطبخ فكري متميز و طباخ ذو مهارات خاصة في انتاج السندويشات الفكرية يستبشر بها مستقبلوها استبشارا.
وتحسب أنك جـِرمٌ صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
داؤك منك ومـــــا تبصر
دواؤك فيك ومــــا تشعر
تحسب أنك جـــرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر"
ابيات شعرية عميقة تعبر بجدارة عما نرومه في هذا المقال منهم من ينسبها لابن عربي الحاتمي و آخرون للخليفة الرابع سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه، لكن الذي يهمنا ان الانسان عوالم من المخلوقات الحسية كالخلايا و الالكترونات و الكروموسومات و الكريات البيضاء و تلك الحمراء، و مخلوقات معنوية والملائكة و الشياطين و الوساوس و الهلاوس و غيرها مما لا نعلم سواء في الاتجاه الايجابي او السلبي و كلها يمتطيها الحكيم ليصل إلى الحق اما بالاقدام او الإحجام بحسب فهمه للنصوص و كيفية تنزيلها في واقعه اليومي و من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و صلى الله و سلم على سيدنا محمد مداد الحق عز وجل على لوح الأزل و على آله و صحبه و سلم.