أنثى الرمق الأخير
وجهي احترق
جسدي مثخن بالجراح ... وروحي متهالكة!
أقف أمام مرآتي وذلك الصوت العابر للسنوات الست يصم أذني ، ألمح في المرآة رفات امرأة تتنفس! هذا ما بقي مني.
مرآتي يا مرآتي! من هذه الغريبة التي أراها في قلبك؟ فتجيب بوقاحتها المعهودة:
– أرى الانعكاس بركانا يتهيأ للانفجار، وتدمير كل شىء في دربه ...غير أنني لا أقوى على تدمير نفسي.
ست سنوات مضت على ذلك الصوت الذي ما فتئ يتردد في داخلي .. لا احد غيري يسمعه لأن كل من سمعه يومها قد ذهب، وتركني وحيدة بين جدران باردة قدمها فاعلو الخير!
ماذا ستفعله امرأة فقدت كل شيء في دقيقة واحدة استغرقتها قذيفة الهاون من مدفعها إلى بيتها؟
كنا جميعنا نتناول طعام الإفطار..
كانت ابنتي رولا تبكي لأنها لا تحب البيض "عيون"..وأحمد يضحك بعد انتصاره هذا الصباح في رشوتي بأن أقلي البيض برشت وزوجي يتأملنا راسما في ذهنه خريطة للأزقة التي سيمر بها مع الأولاد متجنبا قناصي الطريق العام!
مددت يدي لأمسح دموع رولا وهممت أن أخبرها بأني سأقلي البيض كما تشتهي لكن الدقيقة انتهت وأنهت معها كل شيء.
وبقيت أنا .. مسخا كان ذات يوم أنثى لها عائلة!
لا .. لا تنظر إلى ملامحي فتمحي بشفقتك ما بقي منها، لا تطف بعينيك على أوصالي المقطعة فلها حرمتها.
صحيح أن ذراعي اليمنى لم تصل إلى وجه رولا لكنهم أخبروني أنهم وجدوها على صدر أحمد تضغط على جرحه النازف!
وصحيح أن شفاهي لم تنطق حروفها لتهدأ رولا .. لكنهم قالوا لي حين أفقت من غيبوبتي أن شفاهي قد قبلت أشلاء زوجي شلوا شلوا ..
أنظر إلى المرآة .. أبحث عن صوت رولا وأحمد في أرجاء الصمت حولي، ولا أسمع سوى صوت الهاون يصم أذني.
في كل ليلة ونهار، أبحث عن هموم زوجي لأضعها في صدري حتى ينام أبد الدهر مرتاحا، أبحث عنهم ولا أجد حولي سوى مرآة تنعكس فيها صورة مسخ خالية من الأنوثة، لا .. إنهم ينتظرونني .. لقد جاع الأولاد.
ركضت نحو المطبخ تعثرت بعكازي وسقطت أرضا، لم تنفع محاولاتي في النهوض مهما حاولت، أي مقاومة ستجدي نفعا مع جاذبية الأرض التي شدت أجساد من أحب إليها وتركتني أطفو في فراغ العزلة وحدي؟
لا أرجوك أن تترك ميزاب شفقتك يصب بعيدا عما تبقى مني واتركني ملقاة فوق أرض غرفتي عسى جاذبية الأرض تشدني إلى قبور من أحب في عمق أرضها وليذهب الهاون إلى الجحيم!