الأربعاء ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٧
بقلم
أنت يا قدسُ
(1)وجهٌمن ورود المساءِفي العيون التيتُحدّق في الأفق المسيّجبالأسلاكومن وهج الصباحفي قلوبٍ تقاوم الأحزانَ فيهاوالجراحومن قُبُلاتٍ مخضّبةبدم الفداءِ المعبّأفي صواعق الأرواحوجْهُكِعُنُقٌمن فراشات الحرير المُطرّزومن قوارير العقيقِومن عَسَلٍ رائقٍفي أكاليلَ من طيبٍ ومن عنبَرٍ فوّاحعلى قبرِ شَهيدٍفي تُرابِك المقدّسِعُنْقُكِصدرٌمن حنطةٍ الحقولِوقد مدّت ضفائرَهاعلى غَسَقِ المُروجِ الشاسعةمن الماءِ.. إلى الماءومن باء الكلامِ.. إلى الياءومن الألِفِ.. ثالثةً ورابعةوخامسةًوربّما سابعةمن كنعان الأوّلقبل الميلادِإلى آخِرِ نُطفةٍفي عُروق الزمانِومن كنوزٍ مُخبّأةٍفي كتابٍمودَعٍفي خزائن الروحوالتُحفِ الثمينةوفي فسيفساء الذاكرةوفي إجاصتينِتقطُرانِ حليباًإلى ما بعد الفطامِوقبل انتفاض الجسدومن حنانٍفي وسائدَ من قُرُنفُلٍ وياسمينصنعتها يداكِليديّ الموزّعتين في المنافيوالمتقاطعتينِعلى صليب الحرائِقِفي شظايا النفسِ المبعثرَةِفي البلادِصدرُكِبطنٌواحةٌ من ينابيع مرمريّةأو مرايامسحورةٍتحكي حكاياتٍمن دواوين القرى القديمةِومرسومةٍعلى أباريق الزيتِوأزهار اللّوز الشماليّوالزعتر البلديّوالعنبروإنْ شئتَ فهو كرمةٌ من نوافذٍ معتّقةٍفي خوابي الطفولةومن دروبٍ أدمنتدنان الشبابوفَوْحَهاوأحياءٍ تشرَبُ ـــــ من مئات السنينِ ــــمن أقداح الكهولة الحكيمةحكمة الديمومةوالتكاثُرِوضيعةِ من أناشيدٍوصُوَرْوأصدقاءٍ يجيئونَ في آخر اللّيلِيرسمونَ معاًالاحجياتِ على عتبات العمروصديقاتٍ بقمصانٍ من مزهريّاتٍوقناديلُ فرحمضاءةٍ في عتمة الدرب المؤدّيإلى منابع الذاكرةومدرسةٍتُعلّمنا اللّغاتَوأنّ الأرضَ للسفرفلا تطأ قَدَمٌ قَدَماًولا تقتُلُ نفسٌ أخرىومعالِمَهي البلادُ والعَرَباتُ والمذياعومناديل الوداعوأحلامُ الراحلينَ إلى أعالي البحارِوالقادمينَ من الأوجاعوحضنُ أمّيومدّخراتُ أبيوأشيائي الصغيرَةَمن رحلة التيهعبر البلادِوفي العرباتِوأحلامِ الآخرينَوالدمى المُتحرّكةوالعصافيرِ التي تسكُنُ خاصرتيوالنساءِ اللواتييشتَهينَ الموزَ والسفرجَلَوالخمرَ المعتَّقَفي دميويأتينَ ثُمّ يمضينَمثلَ نسمةٍ على شاطئ البَحْرِوفراشَةٍ تبحَثُ عن رحيق الزهرِوتهرُبُ من أصابعييأتينَ فيشتَعِلُ الماءُ في جذور البنفسجوينصرفنَ عنّييغتَسلنَ من بذور العشقِمثل عرائس البحرِ في الحكايات الجميلةبماء الورد المُقطّروأغاني المطربطْنُكِ(2)وأنتأنت يا قدسُأنت كلّ شيءٍ تبقّىمن حطام الأزمنةفي أضلاعناومن ركام الأمكنةفي أعصابناوهل تبقّىفي أديم أجسادناسوى حرائق الغضبوكيف يا قدسُلا نغضبوأنت كلّ ما تبقّىمن نسيج الذاكرةفي الخارطة؟"باب الحديد" هنامعذّبٌفي أضلُعيو"حبسُ الرباط" الذيمرّ حرّاًمن لغتي القديمةإلى ساحة الفداء والمقاومةمجلسيو"شارع الواد" المستحمّ في "عين الشفاء"قبل أن يُسمّم الماءُويختنق الهواءُبغاز القنابل والكوكايينو"باب السلسلة" المصادرمن خزائن التاريخوالمكتبات القديمةو"دير العدس" الذييجمع الهلال إلى الصليبكما يُجمعُ العدسُ إلى الأرزّفي طبق الفقراءدون شكوى لأحدودرب الصليب طريقُ آلاميمن أوّل الخيانةفي "العشاء الأخير"إلى جلجلة القيامةمهدي ومدرستيو"باب دمشق"عامود ذاكرتيو"خان الزيت"خاني وقنديل زيتيو"الباشورة"قبل أن يسلبها الغزاةُ الزاحفونَكالتتارعلى طفولتيمن شرايين دميتظلّلنيمن عداءات اللغة الهجينةو"باب القيامة"والقبر المقدّسفي كنيسة الروحوالمسجد الأقصىالقبلة الأولىوكعبة الأسيروهو يرنوإلى من أسرىبعبده ليلاوصدر أميأحنّ إليه، وتحرمني منه التصاريحوالمعابروالحواجزوالمستوطنات الغريبةوقبر أبي، هل يضمّنيبين ذراعيه، ليُدفئنيباعدتنا المنافي، متّ في الغياب يا أبيبكى، عندما جاءه الموتُهل تبكي من الموت، يا أبتي؟أبكي أنّني لن أراكَ، قالَ أبيوراح مسافراًفي تُراب الوطندونيكلّ ذا، متحفيومكتبتيوتاريخ أجداديوعينُ الماءِوالمصباح اليدويُّومنشوري السرّيُوالموعد الأوَّلُوالقصائد الأولىفي بيتنا القديمِبيتُنا المُحاصَرُ الآنَبجحافل القادمين من أذيال الخرافات الهجينةعلى عربات التكنولوجيا القديمةمن رفات الإيديولوجيا القديمةوأحلام الغزاة المسكونةِبشهوات القتْلِ الجماعيّوالغنائم الثمينةفيا أيّها العالم الجديدُأهذا هُوَ العالم الجديدُ؟يقفُ المحاصرون الآنَ،والنّاجونَ من حروب الإبادةمنذ نشأة التاريخِفي "يبوس" الأوّلينو"أورُسالِمَ"، و" قديتسَ"، و"إيليّا كابيتولينا"و"البيت المقدّس" في أخبار اللاحقينيقفون الآنَفي الخندق الأخيرِلصدّ الغزاة الحالمينبسيرة الطّغاة الأقدمينوالملوك الغابرينفكيف يا "أورشليم"،مرّة أخرىستنهضينفوق أعناق الضحاياقتلى ومبعدينفي مخيّمات الموت واللاجئينباسم العالم القديمفي العالم الجديد؟