أشباح
لما رأتني أسحب ستائر النافذة المطلة على الشارع، بادرتني متسائلة : ماذا ترى؟ قلت لها: أرى الرصيف خاليا إلا من أشباح، تركض محدقة في أثمنة السلع المسلولة كسيوف التتار.. وأفواهها مفغورة، وأيديها تعبث في جيوب مفروغة نهبها التتار. أرى أشباحا تتناسل كما الاستنساخ، في الطرقات وفي سلالم العمارات، وفوق السطوح، في أكواخ بئيسة، مشيدة بالآجر الأحمر والزنك، وتحت أفاريز المرائب، وبين ركام النفايات... تتناسل باستمرار في كل مكان، حتى في مجاري الوادي الحار، تتكاثر كالبناء العشوائي، وكأعقاب السجائر في مقهى شعبي.. تتناسل حتى وهي تلوك الزفت، والكلام الممجوج، وتدخن السم الرديء المذرح.. تتناسل وهي تراهن على الجياد الكابية، الهجينة، والمهجنة، وهي ترشف الجوع الأسود، وتبتلع الخبز المحروق المدعوم حافيا. أرى أشباحا تتناسل مثل البعوض في المستنقعات الضحلة، وهي تتفرج على المسلسلات، والسهرات الميتة ببلاهة. ولما تفاجئها سيوف التتار الصوارم، تنشر أجنحتها الهلامية على صفحة المياه الراكدة، تستسلم في أبشع خنوع، ولا تقاوم.
أعدت ستائر النافذة المطلة على الأشباح إلى ما كانت عليه، والتفت إليها فعالجتني بسؤال آخر، وماذا رأيت أيضا؟ أجبتها أرى وأنا متيقن يقينا تاما، أنها ستظل على ما هي عليه، حتى ذات اقتراع زجاجي شفاف، ذات يوم عكيك...!