أدب الشباب قراءة في المصطلح
تتجه الحياة الثقافية نحو الاهتمام بفئة الشباب، وتشجيع منجزاتهم ومبادراتهم، وقد عمدت كثير من المؤسسات المدنية كالأندية الأدبية، والجامعات، وكراسي البحث فيها، وجمعيات الثقافة والفنون، والملاحق الصحفية، والمؤتمرات، والملتقيات، على تخصيص جزء من مناشطها لجيل الشباب. وهذا التوجه محمود ينسجم مع الرؤية 2030، وأهدافها الطموحة، وقد كنت ومازلت أحيي الالتفات إليهم، ومنحهم الفرص لاعتلاء المنابر فلديهم مايبهج، ويبشر بمستقبل مزهرنأمله منهم. وأناقش هنا موضوعا آخر من الناحية العلمية، وهو رواج مصطلح (أدب الشباب) فقد تحوّل من فكرة واهتمام إلى مصطلح يستخدم في ميدان الدراسة الأدبية، و يقصد منه : دراسة تختص بفئة عمرية محددة، فقد ظهرت عدّة دراسات تتخذ من ( أدب الشباب) عنوانا لها، ودراسات أخرى تدور حول أديب ما، وتقدمه على أنه نموذج للشباب قبل أن يكون نموذجا شعريا أو سرديا ! ومن خلال حضوري لبعض هذه المناشط ومتابعتي لاحظت بعض الإشكالات تحتاج إلى مناقشة وتأمل من جراء ضبابية مفهوم الشباب الذي يخضع غالبا لرؤية المستخدم له ،وفق ماينسجم مع أهدافه، وهذا هو الإشكال. فإذا بحثنا عن تعريف ( أدب الشباب) لدى مستخدميه، نلحظ مايلي:
أولا: يربط معظمهم مفهوم الشباب بالمرحلة العمرية، مع اختلاف بينهم في تحديدها، وهذا الاختلاف طبيعي إذ لم تتفق الدراسات في علمي النفس والاجتماع ولدى المنظمات الدولية على تحديدها وقيل فيها أقوال عدّة، فقد تنتهي عند عمر25-30-35-40، 45، وبلوغ الأربعين عاما أقصى مرحلة زمنية متعارف على الوقوف عندها، وهذا الاتساع نتج عنه إشكالات وتساؤلات منها: التصنيف المتفاوت للأدباء فقد يكون أحدهم شابا في دراسة، وأديبا كبيرا في دراسة أخرى! كما أن معظم الأدباء وفق هذه المفهوم سيكون نتاجهم كله أو معظمه كُتب في مرحلة الشباب! وسيكون نصف الأدب أدب شباب! إن الموهبة الأدبية لايحكمها العمر، فمعلقة طرفة بن العبد لاتقل قيمة ومنزلة عن معلقات الشيوخ! ، وابن سلام الجمحي حين قسّم طبقاته وفق المكان والزمان والديانة، لم يلتفت إلى العمر، ويعره اهتمامه! فربط الإبداع بالعمر مسألة لاتخدم الأدب، ولا توجد دراسة تثبت انعكاس العمر على التجربة الإبداعية، بل هناك الأمثلة الكثيرة لعرب وأجانب نبغوا مبكرا، أو متأخرا، فانبثاق التجربة له أوانه الذي لايرتبط بالعمر. وقد يضر هذا المفهوم الأدباء المميزين حين يجمع الباحث التجارب المختلفة المتباينة في نضجها وعمقها في دراسة تحت هذا العنوان ! ويظلمهم أكثر حين يأتي الحديث عن العثرات والأخطاء الأسلوبية وضعف المنجز ويربط هذه السمات السلبية بنتاج الشباب وفيهم نوابغ حظيت دواوينهم بأطروحات جامعية! والأحوط للباحث أن يتناول التجربة الأدبية مبينا عن قيمتها الفنية وجمالياتها متجاوزا مسألة العمر، فهو هنا في بحث علمي، لا أمسية ذات طابع احتفائي!
ثانيا: يربط بعضهم أدب الشباب بتجربة البدايات والمواهب الواعدة، فالشباب هنا هو الإبداع الأول والمنجز الفتي وليس المبدع. ولعل تجربة نادي الرياض الأدبي في سلسلة الكتاب الأول الذي يهتم بتجارب المبدعين الشباب الذين لم يسبق لهم أي إصدار أو المنجز الأول للأدباء الكبار، تعني الحفاوة بالحرف الأول في نضوجه وتفتحه وبزوغه، مما حدا أن يطرح أحمد الهلالي في ورقته العلمية بنادي جدة الأدبي مصطلحا بديلا لأدب الشباب الذي تحيط به إشكالات لعدم انضباطه بعمر محدد، ويقترح ( أدب البدايات) ويعني به الأدب الذي يصدر عن المبدع في بدايات مشواره الإبداعي، بصرف النظر عن عمره، واتسع مجال الدراسة ليضم الأدباء من شباب ونوابغ تجاوزت أعمارهم الخمسين فهدفه من الدراسة هو الوقوف على شرارة الإبداع. وهذا المفهوم قد يكون حلا " للخروج من مأزق المرحلة العمرية" على حد تعبير الهلالي، وهو حل يناسب دراسته، لكنه ليس حلا يضبط سيل الدراسات التي تستخدم أدب الشباب دون ضابط واضح!
ثالثا: يربط بعضهم أدب الشباب بحقبة زمنية هي مطلع الألفية الثالثة من العام 2000وإلى الآن. ففي كتاب ( النتاج الأدبي لجيل الشباب في المملكة العربية السعودية من العام 2000، أبحاث ملتقى قراءة النص الخامس عشر بنادي جدة الأدبي الثقافي) ناقشت أبحاث الملتقى النتاج الأدبي الصادر خلال هذه الفترة لأدباء ومبدعين من أجيال زمنية مختلفة مما غيّب مفهوم أدب الشباب، ولم يعد له دلالة، وقدشعر بهذا أكثر من باحث مبديا قلقه من المصطلح، وفي رأيي أن ذكر (أدب الشباب) في عنوان الملتقى لم يكن موفقا، فدراسة المنجز الأدبي في الألفية هي إتمام لدراسة ملامح وتطور الأدب في العقود السابقة السبعينيات و الثمانينيات والتسعينيات،وحسب. فالظروف الثقافية والاجتماعية تنعكس على المجتمع بكل أطيافه، فعلى سبيل المثال تأثير التقنية الحديثة والإعلام الجديد بوصفهما أهم ملمح في الألفية لم يكن حكرا على مرحلة عمرية معينة، وهذا ما أثبتته الدراسات التي شملت كل من كتب وشارك في هذه المرحلة.
رابعا يربط بعضهم أدب الشباب بالجدّة، فيصف إبداعهم بالكتابات الجديدة أو الإبداع الجديد، وهذا التوصيف ملبس يفهم منه تقييم التجربة فنيا من أنها تتسم بالحداثة فالجديد ضد القديم، ومن المعلوم أن هذه الكتابات تتفاوت في الحداثة والجدّة، ولاتعبر عن المقصد الذي يعنونه منها.
وأخيرا
مع الشباب ودعمهم وتشجيعهم، ومع الدرس الأدبي الذي يتعامل مع الأديب بوصفه مبدعا ومنتجا، ومركزا على تجربته لا عمره!