السبت ١ أيار (مايو) ٢٠٠٤

وتشرق الشمس

نجوى عبد الحفيظ مجد ـ قلقيلية ـ فلسطين

أشرقت الشمس على روابي فلسطين ، إيذانا بابتداء نهار جديد وبقدوم يوم دراسي جديد ، في تلك المدينة القريبة ، قلقيلية .
استعدت ليلى لمجابهة يوم آخر من المعاناة التي أصبح التعليم فيها مقترنا بالاحتلال الغاشم الذي يعشق إذلال الناس ، خرجت ليلى من منزلها آملة أن ينقضي اليوم بهدوء .

وقفت أمام المنزل وملامح القلق ترتسم على محياها ، آه لقد أصبح التعليم عبئا على كل من ينضوي تحت لوائه ، لا بل حتى الخروج من المنزل أصبح هما لا بد منه لتوفير لقمة العيش للأطفال بشرف وطهارة . ولكن هذا اليوم يبدو كسابقيه ، السيارة لن تأتى بسبب الحاجز العسكري ستضطر لمشي مسافات طويلة حتى تصل إلى مكان عملها ، ومشت ليلى . لا بد من الانتظار ، حتى يمن الله عليها بسيارة . الحمد لله … هذه سيارة تتجه نحو وجهة تلك المسكينة .

ـ اركبي بسرعة قبل أن تأتى الدورية ؟ قال سائق السيارة نعم . لا بد من السرعة فالوقوف على الخط الرئيسي ممنوع على العرب ووقوفهم مثير للشبهة ، وقد يتهمون بالتخطيط لعمل إرهابي بهذه الوقفة .

وأخيرا … وصلت ليلى إلى المحطة الأولى ، الحاجز العسكري الملعون ، الشوكة التي تقف في حلق كل طريق يربط بين كل تجمعين سكانيين وإن صغرا .

وقفت السيارة " مشكلة " " حلقة " في سلسلة طويلة ، ممتدة أمامها وخلفها من السيارات الكئيبة . المنتظرة لأمر ذلك الجندي ، الذي يقف متبجحا بسلاحه ، ويحكم عن طريقه مئات من هؤلاء المساكين العزل الذين ينتقلون على حجر الانتظار ، فهناك المريض وهناك الموظف ، وهناك العامل ، ولكن ما العمل ؟ لا شيء إلا الانتظار مع المنتظرين .

نظرت ليلى إلى الساعة . سير التفتيش على الحاجز يسير معاكسا لسير الساعة فعقارب الساعة تحث الخطى مسرعة برضاها ، أما تحرك تلك القافلة البشرية فبطيء ، إنها تتئد في سيرها رغما عنها .

وظل الصمت مخيما بجناحيه على ركاب السيارة التي تستقلها ليلى ولا تسمع إلا تأوهات تدل على نفاذ الصبر … آه … لقد جاء دورهم .
سيقفون الآن كالمتهمين أمام الجندي ، سيبحث لهم عن المتفجرات ، ومدفعيات الهاون في كل سيارة .
وجاء الأمر الكل " برا " . نزلت ليلى من السيارة مع الآخرين ، نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا .
ـ ماذا تحملين في حقيبتك ؟؟
قال الجندي موجها سؤاله لليلى .

ـ ماذا تعتقد ؟؟ ربما مدفعية هاون ، أجابته ليلى ساخرة والنار تضطرم في عروقها ، إذن لم تفرقوا بين محارب يحمل قذيفة، وبين امراءة تحمل حقيبة يد .

ـ دعينا نرى هذه القنابل .

قالها الجندي متهكما " محملقا " منتظرا رد فعل ليلى ، فتحت ليلى حقيبتها ، ألقت محتوياتها على الأرض أمام الجندي ، ولم تكن سوى أوراق ثبوتية ، وأوراق اختبارات للطلبة ، داسها الجندي بقدمه القذرة ، مسلطا نظرة على ليلى ، التي أحست بالدم يصعد إلى وجهها مندفعا بقوة ، كم تتمنى لو تنقض عليه ، ولا تتركه إلا جثة هامدة .

رفعت ليلى أوراقها الملطخة بقذارة الجندي ، ورفعت رأسها إلى السماء راجية من الله قرب النصر لا زالت الشمس مشرقة بنورها الساطع ، تحث الخطى نحو كبد السماء ، ولا زالت الشمس تحرق الرؤوس ، وليلى في طريقها للمدرسة ، لم تنثن عزيمتها ، ولم يفت في عضدها ما تلاقيه يوميا من مظاهر الإذلال ، ها قد وصلت للمدرسة ، لقد أوشكت الحصة الأولى على الانتهاء ولكن ، كالعادة سيتم تبديلها ، ولن تضيع أي مادة على الطلبة .

هكذا جهاز التربية والتعليم المتوحد المتكامل ، مصلحة الطلبة فوق كل شيء ، ألقت ليلى ما في جعبتها للطلبة ، لم تتوان عن بذل كل جهد ، نسيت ما لاقته من أنواع الهموم والمصائب .
انتهى اليوم الدراسي ، والآن تبدأ رحلة العودة ، رحلة المعاناة التي لا بد منها، ولكنها مسرورة لأنها ستعود إلى البيت وتحضن ابنها الصغير ، وتعد لابنائها طعام الغداء .
انتظرت ليلى سيارة تقلها لبلدتها الصغيرة ، ولكن ذلك الحاجز الملعون ، لا بد من اجتيازه مرة أخرى ، ها هو يلوح من بعيد ، يستدل الناظر بطوابير السيارة التي تقف على جانبيه .
وجاء الدور ، لم ينزل ركاب السيارة إذن هناك فريسة بين أيدي هؤلاء الجنود المفترسين . ماذا جرى ؟؟ نظرت ليلى عبر النافذة الزجاجية ورأت مواطنا فلسطينيا يحمل ابنه ، ويطلب من الجندي السماح له بالمرور لخطورة وضع ابنه الصحي ، دفعه الجندي بيده قائلا : انتظر دورك ، وعينا الطفل الوديعة تراقب بحيرة وتساؤل .

يتساءل الآخرون : أهؤلاء بشر ، لهم ضمائر وأطفال وأسر ؟؟؟ وتساءلت بدوري : أين المنظمات التي تدعي رعاية الطفولة وحقوق الإنسان ؟؟

لا زالت عين الشمس تراقب ما يجري على وجه الأرض من ظلم واعتداءات يوميا فتغلي غضبا وتزيد حرارتها ، وتتوسط كبد السماء ، في سيرها نحو مقرها الأخير لتستريح بدون أن تمر بأي حاجز قي طريقها وربما تصل الشمس لنهاية رحلتها اليومية ، قبل أن يصل الفلسطيني إلى بيته ، هذا … إن وصل .

امتلأت نفس ليلى غضبا وحزمنا في أن واحد . إنه المنظر القديم المتجدد على الحواجز العسكرية يوميا ، ولكن … ليلى كغيرها من الفلسطينيين لا زالت بعزيمتها التي لم تنل منها تلك الانتهاكات ولا تلك الاستفزازات .

انتهى يوم ليلى الدراسي ، ها قد بدأت قريتها الوادعة تلوح لها ، وصلت ليلى قريتها حضنت أطفالها ، وبدأت تستعد ليوم دراسي جديد مع إشراقة شمس يوم جديد ، لعلها تشرق حاملة لنا فجرا ملؤه الاستقرار والأمن .

نجوى عبد الحفيظ مجد ـ قلقيلية ـ فلسطين

مشاركة منتدى

  • السلام عليكم ..
    اختي نجوى لقد اعجبني موضوعك وشدني اكتر اسلوبكم التعبيري ولقد قمت بالرد على مقالتك الجميله ... بموضوع يحمل اسم ( ليلى ولياليهم السود)اتمنى ان تقرايه عندما ينزل في العدد القادم وان اردت نسخة منه مسبقا آمل مراسلتي على ايميلي ولك جزيل الشكر وكبير الثناء... رائد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى