وتشرق الشمس
أشرقت الشمس على روابي فلسطين ، إيذانا بابتداء نهار جديد وبقدوم يوم دراسي جديد ، في تلك المدينة القريبة ، قلقيلية .
استعدت ليلى لمجابهة يوم آخر من المعاناة التي أصبح التعليم فيها مقترنا بالاحتلال الغاشم الذي يعشق إذلال الناس ، خرجت ليلى من منزلها آملة أن ينقضي اليوم بهدوء .
وقفت أمام المنزل وملامح القلق ترتسم على محياها ، آه لقد أصبح التعليم عبئا على كل من ينضوي تحت لوائه ، لا بل حتى الخروج من المنزل أصبح هما لا بد منه لتوفير لقمة العيش للأطفال بشرف وطهارة . ولكن هذا اليوم يبدو كسابقيه ، السيارة لن تأتى بسبب الحاجز العسكري ستضطر لمشي مسافات طويلة حتى تصل إلى مكان عملها ، ومشت ليلى . لا بد من الانتظار ، حتى يمن الله عليها بسيارة . الحمد لله … هذه سيارة تتجه نحو وجهة تلك المسكينة .
ـ اركبي بسرعة قبل أن تأتى الدورية ؟ قال سائق السيارة نعم . لا بد من السرعة فالوقوف على الخط الرئيسي ممنوع على العرب ووقوفهم مثير للشبهة ، وقد يتهمون بالتخطيط لعمل إرهابي بهذه الوقفة .
وأخيرا … وصلت ليلى إلى المحطة الأولى ، الحاجز العسكري الملعون ، الشوكة التي تقف في حلق كل طريق يربط بين كل تجمعين سكانيين وإن صغرا .
وقفت السيارة " مشكلة " " حلقة " في سلسلة طويلة ، ممتدة أمامها وخلفها من السيارات الكئيبة . المنتظرة لأمر ذلك الجندي ، الذي يقف متبجحا بسلاحه ، ويحكم عن طريقه مئات من هؤلاء المساكين العزل الذين ينتقلون على حجر الانتظار ، فهناك المريض وهناك الموظف ، وهناك العامل ، ولكن ما العمل ؟ لا شيء إلا الانتظار مع المنتظرين .
نظرت ليلى إلى الساعة . سير التفتيش على الحاجز يسير معاكسا لسير الساعة فعقارب الساعة تحث الخطى مسرعة برضاها ، أما تحرك تلك القافلة البشرية فبطيء ، إنها تتئد في سيرها رغما عنها .
وظل الصمت مخيما بجناحيه على ركاب السيارة التي تستقلها ليلى ولا تسمع إلا تأوهات تدل على نفاذ الصبر … آه … لقد جاء دورهم .
سيقفون الآن كالمتهمين أمام الجندي ، سيبحث لهم عن المتفجرات ، ومدفعيات الهاون في كل سيارة .
وجاء الأمر الكل " برا " . نزلت ليلى من السيارة مع الآخرين ، نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا .
ـ ماذا تحملين في حقيبتك ؟؟
قال الجندي موجها سؤاله لليلى .
ـ ماذا تعتقد ؟؟ ربما مدفعية هاون ، أجابته ليلى ساخرة والنار تضطرم في عروقها ، إذن لم تفرقوا بين محارب يحمل قذيفة، وبين امراءة تحمل حقيبة يد .
ـ دعينا نرى هذه القنابل .
قالها الجندي متهكما " محملقا " منتظرا رد فعل ليلى ، فتحت ليلى حقيبتها ، ألقت محتوياتها على الأرض أمام الجندي ، ولم تكن سوى أوراق ثبوتية ، وأوراق اختبارات للطلبة ، داسها الجندي بقدمه القذرة ، مسلطا نظرة على ليلى ، التي أحست بالدم يصعد إلى وجهها مندفعا بقوة ، كم تتمنى لو تنقض عليه ، ولا تتركه إلا جثة هامدة .
رفعت ليلى أوراقها الملطخة بقذارة الجندي ، ورفعت رأسها إلى السماء راجية من الله قرب النصر لا زالت الشمس مشرقة بنورها الساطع ، تحث الخطى نحو كبد السماء ، ولا زالت الشمس تحرق الرؤوس ، وليلى في طريقها للمدرسة ، لم تنثن عزيمتها ، ولم يفت في عضدها ما تلاقيه يوميا من مظاهر الإذلال ، ها قد وصلت للمدرسة ، لقد أوشكت الحصة الأولى على الانتهاء ولكن ، كالعادة سيتم تبديلها ، ولن تضيع أي مادة على الطلبة .
هكذا جهاز التربية والتعليم المتوحد المتكامل ، مصلحة الطلبة فوق كل شيء ، ألقت ليلى ما في جعبتها للطلبة ، لم تتوان عن بذل كل جهد ، نسيت ما لاقته من أنواع الهموم والمصائب .
انتهى اليوم الدراسي ، والآن تبدأ رحلة العودة ، رحلة المعاناة التي لا بد منها، ولكنها مسرورة لأنها ستعود إلى البيت وتحضن ابنها الصغير ، وتعد لابنائها طعام الغداء .
انتظرت ليلى سيارة تقلها لبلدتها الصغيرة ، ولكن ذلك الحاجز الملعون ، لا بد من اجتيازه مرة أخرى ، ها هو يلوح من بعيد ، يستدل الناظر بطوابير السيارة التي تقف على جانبيه .
وجاء الدور ، لم ينزل ركاب السيارة إذن هناك فريسة بين أيدي هؤلاء الجنود المفترسين . ماذا جرى ؟؟ نظرت ليلى عبر النافذة الزجاجية ورأت مواطنا فلسطينيا يحمل ابنه ، ويطلب من الجندي السماح له بالمرور لخطورة وضع ابنه الصحي ، دفعه الجندي بيده قائلا : انتظر دورك ، وعينا الطفل الوديعة تراقب بحيرة وتساؤل .
يتساءل الآخرون : أهؤلاء بشر ، لهم ضمائر وأطفال وأسر ؟؟؟ وتساءلت بدوري : أين المنظمات التي تدعي رعاية الطفولة وحقوق الإنسان ؟؟
لا زالت عين الشمس تراقب ما يجري على وجه الأرض من ظلم واعتداءات يوميا فتغلي غضبا وتزيد حرارتها ، وتتوسط كبد السماء ، في سيرها نحو مقرها الأخير لتستريح بدون أن تمر بأي حاجز قي طريقها وربما تصل الشمس لنهاية رحلتها اليومية ، قبل أن يصل الفلسطيني إلى بيته ، هذا … إن وصل .
امتلأت نفس ليلى غضبا وحزمنا في أن واحد . إنه المنظر القديم المتجدد على الحواجز العسكرية يوميا ، ولكن … ليلى كغيرها من الفلسطينيين لا زالت بعزيمتها التي لم تنل منها تلك الانتهاكات ولا تلك الاستفزازات .
انتهى يوم ليلى الدراسي ، ها قد بدأت قريتها الوادعة تلوح لها ، وصلت ليلى قريتها حضنت أطفالها ، وبدأت تستعد ليوم دراسي جديد مع إشراقة شمس يوم جديد ، لعلها تشرق حاملة لنا فجرا ملؤه الاستقرار والأمن .
مشاركة منتدى
17 أيار (مايو) 2004, 08:23, بقلم رائد ابو النصر
السلام عليكم ..
اختي نجوى لقد اعجبني موضوعك وشدني اكتر اسلوبكم التعبيري ولقد قمت بالرد على مقالتك الجميله ... بموضوع يحمل اسم ( ليلى ولياليهم السود)اتمنى ان تقرايه عندما ينزل في العدد القادم وان اردت نسخة منه مسبقا آمل مراسلتي على ايميلي ولك جزيل الشكر وكبير الثناء... رائد