

مومس عمياء
تَأرْجَحِي.. تَأرْجَحِييَا مُومِساً عَمْيَاءبَيْنَ سَرِيرِ الْمَلِكِ وَالرَّايَةِ الْحَمْرَاءوَالسَّوْدَاءمَاذَا يَضِيرُ لَوْنُهَا، فَمُبْتَغَاكِ الجَّاهخَرِيبَةٌ أمْ تَلَّةٌ .. فَكُلّهَا سَوَاءلَيْسَتْ لَكِ بِضَاعَةٌ جَدِيدَةٌوَكُلّ مَا كانَ لَكِ مَضَتْ بِهِ الْأهْوَاءأحْرَى بِكِ شَيْخُوخَةٌ تَصْخَبُ بِالْضَوْضَاءوَتَقْفِزُ – تَصَابِيَاً- فِي مَحْفَلِ الْأسْوَاءالْعُهْرُ صَارَ مُوْضَةً عَادِيَّةً وَلَيْسَ فِيهَا دَاءوَحَقّ أنْ – تُتَوَّجِي- مَلِيكَةَ (الْنِسَاء)شَاعِرَةً، نَاثِرَةً، نَاقِدَةً، فِي صُحُفِ الْغَوْغَاءزَعِيمَةً، وَاعِظَةً، رَاقِصَةً، تَمِيلُ بِاسْتِرْخَاءهَذَا رَئِيسُ دَوْلَةٍ يَدْعُوكِ لِلْمَسَاءوَذَا زَعِيمُ الْحِزْبِ قَدْ خَصَّكِ بِالْنِدَاءصَوْتُكِ فِي الْمُظَاهَرَةيَشِيدُ بِالْمُؤَامَرَةوَفِطْنَةِ الْمُنَاوَرَةوَصَفْقَةِ الْأنْصَارِ وَالْأعْدَاء..عَوْرَاءَ فِي شَبَابِكِ كُنْتِ – عَلَى اسْتِحْيَاءوَالْيَوْمَ فُزْتِ بِالْعَمَى وَتُقْتِ لِلأضْوَاءأحْرَى بِكِ مَجْدٌ خَلَا مِنْ مَجْدِهِ..أْحْرَى بِكِ جَائِزَةٌ لَا لَوْنَ أوْ طَعْمَ لَهَا.يَا مُومِسَاً عَمْيَاءطُوبَى لَكِ فِي زَمَنٍ لَا مَاءَ أوِ أمْنَ لَهُلَا شَيْءَ لَا يُفْتَقَدُ فِيهِوَفِي أوَّلِهَا رِبَاطُ الْكَهْرَبَاء..تَمَايَلِي.. تَذَلّلِيتَأرْجَحِي.. تَمَرْجَحِي..تَخَايَلِي.. تَخَيّلِي..تَيْهَاً وَخُيَلاء..هَذَا إذَنْ زَمَانُكِ..يَا مُومِسَاً عَمْيَاء!هَذَا إذَنْ زَمَانِكِ.. يَا مُومِسَاً عَمْيَاء!*(2)السّفّاحَ أنْشَا دَوْلَةً.. مِنْ جُثَثِ النّاسِسَيّجَهَا مَدِينَةً مِنْ غَيْرِ حُرّاسِحُرّاسُها الرُّؤُوسأبْرَاجُها مَغَاوِرُ الْعُيُونِألْسِنَةٌ مَقطُوعَةٌ وَالنّمْلُ فِي جُحُورِهَا يَجُوسمَمْلَكَةٌ تَحْكُمُهَا كَوَاعِبُ الْمَجُوسيَمْلُكُهَا الْمَمْلُوكُ – شَهْرَيَار-رَسُّ سَلِيلِ الْعَار..وَقَبْلَ أنْ يَفِيقَ يَدْعُو خِلّهُ الْنَوّاسسَاعِدْنِي كَيْ أنْسَى..خَلّصْنِي مِنْ أشْبَاحِ قَتْلايَنَسِّينِي كُلّ النَّاسيَا شَاعِرِي النّوَّاسإسْقِنِي خَمْرَ شِعْرِكَ..دَثّرْنِي بِالْنِسَاءسَكّرْنِي يَا سَكْرَانفَأنّ فِي الْيَقْظَةِ مَا يُعَذّبُ النّفُوساجْمَعْ جَمِيعَ الْجَانّ..إسْقِ جَمِيعَ النّاسِ مِنْ خَمْرَتِي بِالْمَجَّاننَادِي وَزِيرَ دَوْلَتِيأنْ لَا يَعِيفَ قَرْيَةً خَالِيَةً مِنْ حَان.."الْخَمْرُ بِالْمَجَّان!"إجْعَلْ لَهُمْ جَائِزَةً مِنْ يَشْرَبُ أكْثَر..وَاضْرِبْ بِسَيْفِ الْحَقِّ مَنْ يَرْفِضُ أنْ يَسْكَر..قَابِيلُ أنْشَا دَوْلَةً كَانَ اسْمُهَا "حَنُوك"حَاضِرَةَ الْعُمْرَانِ وَالْعِرْفَانِ وَالْحُتُوفيَقْصُدُهَا الْتُجَّارُ وَالْمُلُوكوَالْشَدْوُ فِي أنْحَائِهَا يَطُوفتُوْبَالُ فِي مَنْجَمِهِ يَضْرِبُ بِالْحَدِيدِ وَالْنُحَاسيَصْنَعُ الْسُيُوف..وَالْبُوقَ وَالْمِزْمَارَ وَالْكُؤُوسفَلْتَفْرَحِ الْنِفُوس..وَتَقْفِزِ الْجُسُومُ وَالْأثْدَاءُ وَالْرُؤوسفِي نَخْبِ شَهْرَيَارزَعِيمِنَا الْسِمْسَارنَخْبِ أبِي الْكُؤوس..نَخْبِ أبِي نُؤَاسمَمْلَكَتِي "بَغْدَادُ" لَيْسَ مِثْلُهَامَصْنُوعَةٌ مِنْ جُثَثِ النَّاس..حُرّاسُهَا رُؤوسوَالْدُودُ فِي أقْحَافِهَا يَجُوسفَلْيَسْكَرِ الْمَجُوس!..*(3)الْعَقْلُ قَدْ تَمَوْمَسَوَالْجِسْمُ قَدْ تَسَوَّسَوَالْبَيْتُ -كُلُّ الْبَيْتِ- قَدْ تَنَجَّسَوَفَاحَتِ الْعُطُور..فِي أيِّ شَهْرٍ نَحْنُ هَذَا الْيَوِمَيَا سَيّدَ الْشُهُورتِمُّوزُ لَمْ يَفِقْ مِنْ مَوْتِهِوَلَيْسَ فِي الْقُدُورمَا يُطْعِمُ الْطُيُورإسْألْ لَدَى الْجِيرَانِ.. عَلَّ عِنْدَهُمْ فِتَاتيَسُدُّ جُوْعَ الْطِفْلِ أوْ يَحْمِي مِنَ الْآفَاتأوْ يُنْقِذُ الْأبَ الْمَسْكِينَ أنْ يَطُوفَ فِي الشَّتَاترَدَّ عَلَيَّ الْصَوْتُ: جِيرَانُنَا نُسُور!جِيرَانُنا كَوَاسِرُ الْطُيُورجِيرَانُنا الْذِئَابُ وَالْنُمُورنَادِ بِبَابِ الدَّرْبِ عَلَّ مِنْ مَحِيصفَاللهُ لَا يَترُكُنَا لِلْمَوتِ فِي مَخِيصلَا تَفْرَغُ الْأرْضُ مِنَ الْضَمِيرِ وَالخُصُوص..فَاجْتَمَعَ فِي بَيْتِنَا الزُّنَاةُ وَاللُّصُوصوَاشْتَعَلَتْ مِنْ حَوْلِنَا الْنِيرَان.وَاخْتَلَفَ الْأخْوَانوَانْفَصَلَ الْآبَاءُ وَالرّفَاقُ وَالْخِلَّانوَكُلّ ابْنِ أنْثَى حَوْلَ نَفْسِهِ يَحُوص..أسُومَرٌ وَبَابلُتَلْهُو بِهَا الْسُيُوفُ وَالقَنَابِلُوَرَأسُها مُنَافِقٌ أوْ قَاتِلُأمْ هَذِهِ أشّورمَمْلَكَةُ دَانَتْ لَهَا الْأرْضُونَ - فِي زَمَانِهَا-وَاسمُهَا مِنْ نُوركَانَتْ يَمِينَ اللهِ فِي دَوّامَةِ الْعُصُوروَالْيَوْمَ لَا خَيْرٌ وَلَا مَطَر..نَهَارُهَا ظَلَامٌ دَامِسٌ وَلَا قَمَرلَيْسَ مَنْ يَشُدّ جُرْحَهَا الْمَفْتُوحَ أوْ يَرْفَعُهَا مِنَ الْعَثَرأهْلُهَا مُهَاجِرُونَ، وَافِدُونَ، هَارِبُونَ، أوْ غَجَرحُكَّامُهَا دُمَى زَانِيَات..وَفِكْرُهَا الْعَقِيمُ سِرُّ مَوْتِهَا الْلَئِيممَشْدُودَةُ الْشُعُورِ لِلْغَرِيبِ وَالْزَنِيمضِدُّهَا فِي نَفْسِهَا وَلَيْسَ تَسْتَقِيم..عَلَّ لَهَا مَنْ يَفْتَحُ الْصُدُوربِكِلْمَةٍ يُجَمِّعُ الْمَنْثُوروَيَلْحَمُ الْمَكْسُوروَيَرْفَعُ الْأدْرَانَ وَالْقُشُورفَتَرْجِعُ لِذَاتِهَا وَتَتْرُكُ الْغَرِيبتَلْتَحِمُ عَائِلَةً وَاحِدَةً وَتَعْرِفُ مَا الْحُبُّ؟..مَا الْحَبِيبوَيَرْجِعُ ابْنُهَا لَهَا.. وَأمُّهُ تَتُوب!وَيُصْلِحُونَ الْبَيْتَ مِنْ بَرَاثِنِ الْنُدُوبلِيَرْجِعَ الْمَطَر!.
*
ملاحظة:
المومس العمياء: شخصية صاغها الشاعر بدر شاكر السيّاب في خمسينيات القرن الماضي- في قصيدة بنفس العنوان، وهي شخصية مركبة اجتماعية سياسية تتداخل فيها رموز الأرملة وام اليتيم والمرأة العجوز. وقد اكتسبت أهمية وصدى متصلا في الحياة والشعر الحديث.
مشاركة منتدى
1 آب (أغسطس) 2014, 11:16, بقلم كوثر
هذا الشعر رائع اعجبني جدا