من يوميات معلم
أعترف بأن السير على الأقدام من مكان سكني في سلواد إلى مدرستي في عين يبرود أصبح عادة مفروضة علي كل يوم، ومع كل شمس جديدة تكون قصة جديدة، تلك مسافة تساوي أربعة كيلوا مترات ذهابا، ومثلها إياباً.
ليس العادة أن امشي هذه المسافة كل صباح وظهيرة فحسب، بل العادة عندما يجبل سيرك بالتعب والخوف.
أي تعب؟! مسافة ثمانية كيلوا مترات يوميا، على مدار الأسبوع، أي خوف ذاك؟! خوف من مظاهر الطبيعة، خوف آخر من مظاهر الاحتلال ... فخوف الطبيعة من المطر أو الشتاء أو الأفاعي وحشرات الصيف، وخوف الاحتلال وجنوده وهو الخوف الأعظم الذي قد يهدر حياتك أو يمنع عنك التمتع بكرامتك على أقل تقدير وما أسوأ الأمرين.
ترددت في ذاك الصباح الممطر من استقلال سيارة أو الذهاب سيرا، فالذهاب بالسيارة يعني ستمر عبر القرى ،دير جرير، الطيبة، رمون، دير دبوان، وبيتين ثم عين يبرود وهذا طبعا سيكلفك يوميا عشرة شواقل في الذهاب ومثلها في العودة، ناهيك عن التأخيرالمحتوم، فالسيارة لا تنطلق حتى تمتلئ، وقد، بل وبالتأكيد سيكون هناك حاجزا احتلاليا يؤخرك... لذا فالطريق الجبلي على سوءه هو مفر بالنسبة لي، وبخاصة من الناحية المادية، فأن تدفع عشرون شيكلا يوميا يعني أنك ستدفع 480 شيكل شهريا، وهذا يعني ثلث الراتب البالغ 1500 شيكل.
إذن فالإغراء هناك موجود... وإن كان المطر والخطر مفروضين، فهما في النهاية جزء من حياتي.
واصلت مصيري نحو الطريق الجبلي معسكر الجنود إلى يسارك والشارع الالتفافي الذي يعج بالمستوطنين والجنود على يمينك... ومستوطنة عوفرا أمامك.. أواصل سيري ، فأي قصة اليوم ستكون بطلها... وأي بطل سأكون؟
وحدي أسير.. وعندما وصلت منتصف الطريق الجبلي إذ بثلاثة طلاب يدرسون في مدرسة دير دبوان الصناعية أمامي... فشعرت بشيء من الأنسة ... وفجأة يظهر عدد من الجنود .. وكأن الصخور أنجبتهم بلحظتها أو انهم تساقطوا مع رذاذ المطر، لكنهم كانوا ساعتها القدر المحتم علينا مواجهته...
أخذوا يصرخون على الطلاب ... شعرت عندها أنهم لم يروني بعد، حاولت الابتعاد عنهم ولكن لا مناص ، هاهم يصرخون علي ...ويأمروني بالتوجه إليهم، وإلا يطلقون النار استجبت إليهم... توجهت نحوهم ببطء أراقب ماذا يفعلون مع الطلبة.
اقتربت منهم ، عشرون مترا تفصل ما بيني وبينهم.
ـ قف مكانك !! صرخ أحد الجنود.
توقفت.. يفتحون حقائب الطلبة ، يفتشونها، يمزقون الدفاتر، يدققون في الكتب ، يتحسسون جيوبهم وملابسهم بحثا عن شيئا ما.
ثم يطلبون منهم رفع أيديهم بطريقة أفقية نحو اليمين واليسار ويديرون وجوههم نحوي...
" الهوية " طلبها أحدهم.كان لهم ذلك، فأخذها أحدهم ليخابر مسؤوليه حولها، عددتهم، سبعة بعضهم يحمل على ظهره ما يعجز حمار عن حمله، موزعين في كل الجهات موجهين بنادقهم نحونا.
طلب مني أحدهم أن أحاوره بالعبرية، اعتذرت لأني لا أعرف منها إلا بضع كلمات، ثم أخذ بالتحدث معي بالعربية، ولكن بعد أن أمرني أن أرفع يدي كالطلاب وأدير ظهري، يفتشونني يبحثون في جيوبي، والكيس الذي أحمله، يدققون بالأدوات.
ـ ما هذا ؟ سأل أحدهم.
ـ أوراق امتحانات للطلاب.
ـ أي طلاب؟
ـ طلابي في المدرسة فأنا معلم.
ـ أين تعلم؟
ـ في مدرسة عين يبرود.
يطلبون من الطلبة الجلوس على الأرض الطينية، يحاول أحد الطلبة الاعتراض يصفعه الجندي، فلم يتوان الطالب بعدها في الجلوس.
ثم بعد ذلك أشار لنا الضابط بأنه ممنوع المرور من هنا، فهذه المرة سيسمحون لنا بالمرور ، ولكن إذا مرّ أحدنا من هنا " فلن يعود إلى بيته" كما قال أحد الجنود.
استمررنا في السير، وصلنا الشارع العام، إذ بدورية إسرائيلية تطلب منا التوقف، سألنا الجنود : لماذا تمرون من هنا؟
فأجبناهم أن لا طريق غير هذه ، وأن هناك جنودا سمحوا لنا بالمرور.
فأمرونا بالعودة، حاول أحد الطلبة الاقتراب منهم فصوب أحدهم بندقيته نحوه آمرا إياه بالرجوع من حيث أتى وإلا أطلق النار عليه.. اضطررنا إلى العودة مكرهين ، لم أعد إلى البيت طبعا، فقد استقليت سيارة إلى المدرسة ووصلت المدرسة الساعة التاسعة .. ولم يخل الأمر طبعا من المساءلة.
مشاركة منتدى
22 آذار (مارس) 2007, 11:15, بقلم رورو فاعل خير
الله يعينك يا استاذي و ارجو من طلاب مدرسة عين ينرود الثانوية ان يراعوا هذه المعاناه وشكرا على جهودك الجبارة التوقيع :فاعل خير من حماس و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
4 نيسان (أبريل) 2007, 15:56
شكرا
18 كانون الثاني (يناير) 2008, 07:02, بقلم طالب مغترب
الله يعينك يا استاذ رائد حامد. الله معك ويعطيك الصحة و العافية, ولقد صدق الشاعر عندما قال "
كاد المعلم ان يكون رسولا"