صفصاف الخيارات المرة
أهديكِ كلَّ نفسي كي أقاسمكِ الألم الصريح فلا تخرج كلماتي عن زيتونة سواكِ..و أنظرُ إلى فضاء أحزاني, و أمسحُ بمناديل الإنتماء و الصبر, جراح كواكبها و نجومها و لا أتركُ ضياء التحدي يبتعد مسافة هدنة و مكيدة عن أثير صرخاتي الحالكة. إلى الأرجوان تسحبين خطواتي..و أسحبك إلى ضلوعي و شراييني, قرية قرية, تلة تلة, قمحاً وتقاطيع أشواق و بلاد. نصف الطريق إلى النهر و صفصاف الخيارات المرة يصفُ لي شموخ النصف الآخر.مستقبل غضبي, مستقبلي, يمشي إليكِ و على كتفيه عباءة حرية و رجوع.
أيدي البواسل ممدودة إلى وقتك كأهلة من نور إنتساب و ندى, كلّ يعرف غده الطليق, يوم تتحرر الصقور و الفرسان و الأشجار و الأرض و الخيول, كلٌّ له مع صهيل الخلاص دفقة من بهاء التكوين.
كلٌّ يهديك إلى روحه, هادية حشود و محرضة لنهارات الصبر و الصمود, أن لا تترك شموس العزة و الرجاء حبيسة غياهب التفريط والتنازل و التدجين. دماؤنا التي تصون الشروق و تعيده هي من يرافع, في محكمة ظالمة, إبتدعتها أطماع الغزاة و المحتلين الغاصبين عن براءة أمنيات المسحوقين في الوطن, ..المدافعين عن الإستقلال و المقدسات..فأي محامي أفضل من دمنا يستطيع أن يعيد لشعبنا حقوقه كاملة؟أيدافع عنا التحيز الأعمى؟ هل ينصفنا النفاق المعولم؟ هل يرفع الخنوع العربي الرسمي عن كاهل أيامنا المعذبة الظلم و العسف و جرائم الإحتلال الصهيوني؟ أم ترانا نجلس بصمت على عوسج جراحنا في جراحنا, و نغمض أعين الإنتباه و العقل و التجارب, لنسأل ناهبي العراق و ثرواته, قاهري شعبه العظيم, أن يقدموا لنا مكرمة "يانكية" دون إبطاء و تأخير,فيفرجوا عن مكنون رؤيتهم لدولة فلسطينية..
يرون أننا ,كفلسطينيين, نستحقها , لكن! علينا أولاً أن نتطوع لنسحق أهدافنا و ثوابتنا الوطنية..و نحرق كل أوراق قوتنا, المتجسدة في وحدتنا الوطنية الفلسطينية و إستمرار إنتفاضة الإستقلال و الأقصى و العودة, ونضع كل هذه الإنجازات في موقد النسيان و الندم و الإستسلام, وبذا ننال عطف الجهات اللئيمة..فتقدم لنا باقة ذابلة و غير منسقة, قطفتها مع شارون السفاح من حدائقنا و ممتلكاتنا التاريخية, و بهذا يتحقق "السلام العادل" بين شعوب المنطقة! و تعلن الإدارة الأمريكية أن شموسنا و أقمارنا بريئة من تهمة الإرهاب..و أن لا دليل مؤكد على ضلوعها في سلوكات وطنية و قومية و إنسانية مشبوهة!و أن المطلوب من الفلسطينيين و فصائلهم و سلطتهم ان يطلبوا من شمس حقوقهم أن تكون معتدلة و واقعية, فتعلن نبذها "للإرهاب" و تتخلص من بنيتها التحتية شعاعاً بعد شعاع, و تعلن موافقتها على خريطة الطريق و تتبرع, للسفاح شارون, من عندها ,بشرط جديد , يضيفه إلى شروطه الأربعة عشر..و بذلك, نحرج حكومة القتل و الإغتيال الصهيونية, و نظهرها على حقيقتها, عارية! عندئذٍ, يربت التحيز على أكتافنا, يمسكنا من أيدينا و يقودنا إلى الهاوية..إلى مهاوي التقزيم و الـتأزيم و الكوارث..
و المضحك المبكي, إن إستخدامات و توظيفات إنتقائية, مقصودة, لحوادث معينة, في هذا الوقت القاسي بالذات, تنتشر عبر وسائل الإعلام المختلفة و منها فضائيات عربية, تسلط الأضواء على نفر من الفلسطينيين و الإسرائيليين ذهبوا في مهمة لصنع "السلام "حتى القطب المتجمد الجنوبي..فما بالهم يقطعون كل هذه المسافات و يتحملون المشقات و الصعوبات من أجل غاية يمكن لها أن تتحقق في فلسطين و المنطقة, لو لم تكن حكومة شارون المجرم معادية للسلام المتوازن الفعلي و الشامل؟ لو كان السلام المؤسس على قرارات الشرعية الدولية ممكناً مع سفاح صبرا و شاتيلا و غزة و نابلس و مخيم جنين..لماذا ذهبَ هؤلاء في تلك المغامرة العبثية إلى القطب الجنوبي..ثم يروجون خبر إمتناع خمسة و عشرين طياراً صهيونياً عن قصف مواقع فلسطينية بهدف الإغتيال في غزة و الضفة..ما هذا الصحو المتأخر؟ بعد أن إستوفت الجريمة النكراء كل عناصرها وأسبابها الشارونية, هل يأتي هذا الرفض تعبيراً عن ندم و عذاب ضمير بعد جرائم قتل و مشاركة في مجازر ضد الفلسطينيين و أطفالهم, أم أن حنفية "الديمقراطية الإسرائيلية" فُتحت إلى آخرها للتعمية و التموية و تمرير بعض المواقف المخاتلة؟ لنفترض ان الطيارين أوكلوا بمهة قصف مواقع و أهداف لبنانية أو سورية أو حتى فلسطينية في لبنان , هل يمتنعون عن القيام بهذه الأعمال الدموية؟
و على هدي المعروف الواضح, فإن دماء الفلسطينيين البواسل هي خير مدافع عن وجودهم, و أهدافهم و حقوقهم الوطنية المشروعة.هي وحدها التي تعرف الطريق الصحيح الذي يمزج نيران الإصرار النضالي الفلسطيني, على إنتزاع كل الحقوق, بغضب الخطوات الكفاحية ,التي لا تفر من واجب الوصول إلى شط السيادة و الكرامة و العدالة.
و مهما كان مراً و مريراً مذاق و طعم صفصاف الخيارات السياسية الصعبة, و مهما كان كئيباً زمن البلاد المحاط بالضغوط, المحاصر بالأحقاد الشارونية,المطعون بخناجر التواطؤ و أسنة التراجعات الرسمية في أمصار و أقاليم العجز و الضعف و التبعية,فإن الفلسطينيين الأفذاذ, الواثقين من ملاقاة فجرهم السيادي وحريتهم الحتمية,لن يستبدلوا نزيفهم و عذاباتهم و آلامهم اليومية,التي يسببها الإحتلال الصهيوني و جرائمه و مسلسل إعتداءاته, بنزيف من نوع آخر يصيب حقوقهم و ثوابتهم الوطنية, فتتقلص, و تتقزم,تحت عناوين التسويات المراوغة.إن فرح الحرية.. و مسرات الإستقلال والعودة إلى الوطن السليب, هي الأهداف النبيلة التي يجب ان تعقب كل هذه التضحيات الجسام, و شلالات الدم العطاء, و جبال الأحزان الشاهقة و قوافل الشهداء الأبرار.لم يجد الفلسطينيون أغلى من أرواحهم كي يقدموها للبلاد هدية..مهر لقاء مع النصر و الإنعتاق, كي تكون القدس الشريف عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة.