العائد من الموت
ركضت مسرعا ، محاولا أن أفلت منه ، رغم أني لست سريعا في العدو فوزني يمنعني أن أركض بسرعة لكني أحاول كل جهدي أن أكون أسرع منه . خوفي أن يمسكني يجعلني أطير كأنني بوزن الريشة .
يا إلهي كاد أن يمسك بي فأنا أسمع وقع خطواته خلفي تماما .
أسرعت الجري ، فأنا بين الحياة والموت .
لن أتركهه يمسك بي .
لن أترك هذه الحياة بسهولة ، ليس أمامي من خيار ثالث إما الإفلات بأية طريقة وإما الموت .
يبدو أن من يواجه الموت يقاوم بشراسة حتى الرمق الأخير ، إنها حرارة الروح التي طالما سمعت عنها .
– ياربي ساعدني فأنا الآن أحتاج لرحمتك أكثر من أي وقت مضى . أولادي بحاجة لي ، كيف أتركهم وهم صغار السن ، لا زال شادي الصغير الآن ينتظرني وراء الباب ، يا ألله لم أقبله هذا الصباح قبل أن أغادر البيت كغير عادتي .
– ليته يأتي الآن ويفتح لي باب النجاة .
– أقسم لو نجوت من هذا الموت لأصلين شكرا لله .
– ها ها ها الإن تذكرت الله ، وكأنه بحاجة لصلاتك وصيامك ؟!
يا إلهي لا زال يركض خلفي ، كيف لم يمسك بي حتى الآن يبدو أنه يريد إرهاقي قبل أن يهجم علي ليغرز أنيابه في جسمي ، ما هذه الحرارة التي دبت في جسمي ، أكاد لا أحس بقدمي ، ولا أعرف كيف أركض دون تعب .
إنه الخوف ، لكني لا أعلم أهو خوف من الموت أم خوف على الأولاد من بعدي أم ماذا . ....
لم لا أحاول الالتفات خلفي لأعاين المسافة بيني وبينه ، لا لا هذه فكرة سيئة فالالتفات للخلف يقلل من سرعتي للحظة فيقترب مني أكثر وربما أسقط على الأرض فيهجم علي ، كلا لن التفت .
لا أدري لماذا قدمت إلى هذه الغابة ؟؟ ما الذي أقنعني أو أغراني بهذه المخاطرة للصيد ، أنا لم أذهب للصيد طيلة خمسين سنة فما الذي أدخل هذه الفكرة لرأسي ، زي ما بيقول المثل بعد ما شاب ودوه على الكتاب .
ترى ماذا تفعل الآن زوجتي مع الأولاد ؟ أتراها تعد لهم طعام العشاء ؟
سعيد جالس يشاهد التلفزيون كعادته في تلك الساعة وعصام الآن يضرب شادي لأنه يلعب في ألعابه .
يا أحبابي العبوا مع بعض ، عيب يا بابا تضرب أخاك ،هذا أخوك حبيبك .
– يا بابا أخذ لعبتي
– طيب يا بابا العب في غيرها
– لأ يا بابا هو يلعب في غيرها
– طيب يا حبيبي العبوا مع بعض ، هذا أخوك بيحبك .
يا سلام لقد اقتربت من شجرة عالية ، ماذا لو فكرت التسلق عليها بسرعة لكن من يضمن أن أتسلقها بسرعة إذ ربما ينقض علي قبل أن أبدأ بالتسلق ، لا لا لن أتسلقها سأستمر بالجري وسوف لن يمسك بي .
أصبحت عداءا كبيرا مثل شيبوب الأخ الشقيق لعنتر
أين أنت يا عنتر ، آه لو تعيرني سيفك للحظة ، لكني ماذا أفعل بسيف عنتر ، ربما لا أستطيع أن أحمله ولا أن أستخدمه .
آخ أخ يبدو أنه وصلني ، شعرت بيده تضرب مؤخرتي ، يبدو أنها شقت البنطلون ، ترى أي جرح ترك تحت البنطلون ؟
اقتربت ساعة الموت . ياه لو أضم أولادي ضمة واحدة لصدري
يا رب أحطهم بعنايتك إن لم أعد لهم .
ربي إني أستودعك أبنائي فليس لهم غيري .
لم أترك لهم مالا يعيشون به .
صحيح أن إخوتي كثر لكني على علم أن أحدا لن يسأل عنهم ، فكيف يسألون عنهم بعدي ولم يسألو ا عنهم وأنا حي .
رحماك يا ربي ، أأموت بهذه الطريقة .
رحمك الله يا عمر الخيام : الموت حق لست أخشى الردى
وإنما أخشى فوات الأوان .
ما الذي فعلته لتكون نهايتي هذه النهاية السوداء ؟
اللهم إني أستودعك أولادي فلا أريدهم أن يعيشوا على الصدقة ولا على إحسان الأقارب .
آآآآآآآآآآه يا ربي ما هذا يبدو أنني اقتربت من واد كبير .
أنا على سفح جبل ، إذا سقطت منه سوف تكون نهايتي الموت سقوطا من أعلى الجبل لأسفل الوادي . لا خيار عندي إما الموت بفكي حيوان مفترس وإما القفز إلى قعر الوادي السحيق .خياران أحلاهما مر .
لا لا الموت من أعلى الجبل أسهل ، على الأقل سأموت مرة واحدة لكن لو ألقى القبض على هذا الوحش اللعين فسوف يأكلني قطعة قطعة ، سأتفرج عليه يأكلني قطعة قطعة أو يغرز أنيابه في رقبتي حتى الموت لا لا لا لا أريد أن أموت هكذاااااااااااا
حسنا على القفز من قمة الجبل ، لأهيأ نفس الآن .
لقد تعبت من الركض على كل حال لم يبق عندي أي خيار آخر .
ها أنا أقترب من حافة الجبل المطلة على الوادي لأسرع أكثر .
واحد اثنان ، ثلاثة أغمضت عيني ثم قفزت بكل سرعة
هوووووووووووووووووووب يا ألله أشهد أن لا إله إلا الله
فجأة شعرت بشيئ وقد أمسك برجلي يبدو أنه قفز خلفي ، أطبق أنيابه على أحد أقدامي فصرخت من شدة الألم : آآآخ
كان ألما شديدا وصراخي أشد ، صرخت بأعلى صوتي وررد الوادي معي صرخات الألم وكأن الأرض اهتزت لألمي .
فتحت عيني لأجد نفسي على السرير وزوجتي تهز بي وتتمتم : بسم الله الرحمن الرحيم وابني الصغير يبكي في سريره .
نظرت حولي غير مصدق ، هل كنت في حلم ؟؟
تحسست رأسي وجسمي ورجلي وزوجتي تسألني خير اللهم اجعله خيرا .
لم أجبها
قفزت من السرير ، ذهبت للحمام نظرت لوجهي في المرآة ، كان شاحبا جدا يشبه وجه الأموات وتبدو عليه كل ملامح الخوف .
– لم يكن مجرد حلم .
– يبدو أنني كنت في رحلة موت ، لكن الله كتب لي عمرا جديدا
– لكني أقسمت لو عدت سالما أن أشكره على ذلك .
أخاف أن أموت قبل أن أشكره ، العمر قصير ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد .
فتحت حنفية الحمام وبدأت بالاستحمام
توضأت وصليت الفجر .